سوشيلا كاركي.. أول امرأة تقود نيبال في لحظة تاريخية غاضبة

لم يكن يوم أمس يومًا عاديًا في العاصمة النيبالية كاتماندو، حيث شهدت البلاد تطورًا سياسيًا استثنائيًا عقب أسبوع من الاحتجاجات الدامية التي قادها شباب جيل زد، انتهت هذه الاحتجاجات باستقالة رئيس الوزراء كيه. بي. شارما أولي، وحل البرلمان النيبالي تحت ضغط شعبي واسع.
وسط هذه الأجواء المشحونة، ظهرت سوشيلا كاركي على التلفزيون الرسمي، تؤدي اليمين الدستورية كأول امرأة تتولى منصب رئيس وزراء نيبال المؤقتة، في خطوة اعتبرها الكثيرون لحظة فارقة في تاريخ البلاد.
من القضاء إلى سدة الحكم
سوشيلا كاركي، البالغة من العمر 73 عامًا، ليست شخصية جديدة على الساحة العامة، فقد دخلت التاريخ سابقًا كأول امرأة تترأس المحكمة العليا في نيبال خلال الفترة من 2016 إلى 2017.
عرفت بمواقفها الحاسمة ضد الفساد، وتمسكها الشديد باستقلالية القضاء، رغم محاولات بعض السياسيين إقصاءها آنذاك، تلك المحاولات لم تضعفها بل زادت من شعبيتها، ورسخت مكانتها كرمز للنزاهة والصرامة في تطبيق القانون.
"جيل زد" يقلب المعادلة
الاحتجاجات الأخيرة التي اجتاحت نيبال لم تكن كسابقاتها، فقد قادها شباب "جيل زد"، المسلحون بالهواتف الذكية بدل اللافتات، والذين يرفضون ما يصفونه بـ "نظام المحسوبية"، حيث يهيمن أبناء وأحفاد الطبقة السياسية على السلطة والامتيازات، في حين يهاجر الملايين من الشباب النيبالي بحثًا عن عمل وفرص في الخارج.
اندلعت شرارة الغضب بعد قرار حكومي بحظر منصات التواصل الاجتماعي، ليتحول سريعًا إلى تمرّد شامل، وأسفرت المواجهات عن مقتل 51 شخصًا، وإصابة أكثر من 1300 آخرين، مما أجبر الحكومة على الانهيار تحت ضغط الشارع والجيش معًا.
رمز التغيير في مجتمع تقليدي
وصول امرأة إلى رئاسة الحكومة في بلد محافظ مثل نيبال هو حدث تاريخي بحد ذاته، لكن كاركي تحمل أكثر من مجرد رمزية نسوية، فهي ليست من النخبة السياسية التقليدية، ولا تنتمي إلى عائلة حزبية نافذة، وهذا يمنحها مصداقية كبيرة لدى جيل يبحث عن وجوه جديدة، ولكن هذه الرمزية لا تكفي وحدها لإقناع الجيل الغاضب، فالمطلوب اليوم إصلاحات ملموسة تشمل حماية حرية التعبير، وإطلاق محاسبة شفافة للفساد، وتقديم خطط اقتصادية حقيقية لخلق فرص للشباب.
تقود كاركي الآن حكومة انتقالية، ومهمتها الأساسية تنظيم انتخابات مبكرة في مارس المقبل، ورغم أن الوقت قصير، فإن التحديات ضخمة، والشارع لن يمنحها ترف الانتظار.
يتوقع الجيل الشاب منها خطوات سريعة وجريئة، ولغة صادقة وشفافة، وإشراكهم في القرار السياسي، والفشل في تلبية هذه التطلعات قد يعيد الشارع إلى الاشتعال في أي لحظة.
هل تنجح في كسب "جيل زد"؟
التحدي الحقيقي أمام كاركي ليس فقط إداريًا، بل تواصليًا أيضًا، عليها أن تتحدث بلغة الجيل الذي يعيش على الشاشات، ويراقب التجارب العالمية، ويريد فرصًا وكرامة ومحاسبة.
فإذا استطاعت القاضية السابقة أن تجسد صورة القيادة النظيفة التي لطالما حلم بها الشباب، فقد تفتح بابًا لتغيير حقيقي في نيبال، أما إذا بقيت مجرد رمز مرحلي عابر، فسيذكرها التاريخ على أنها لم تستطع إقناع "جيل زد"، الذي كسر حاجز الصمت وأجبر النظام القديم على التراجع.