عاجل

ما حكم تخصيص بعض الأيام أو الليالي ببعض الأذكار أو غيرها من الطاعات؟

الذكر
الذكر

في ظلِّ حرص المسلمين على زيادة القرب من الله تعالى، تتكرر أسئلة عديدة حول العبادات، ومن أبرزها: هل يجوز أن يخصّص المسلم يومًا معينًا أو ليلة بعينها بنوع من الأذكار أو الطاعات؟ وفي هذا السياق أوضحت دار الإفتاء المصرية  أنه يصح في الشريعة أن يُخصَّص بعض الأيام أو الليالي بأنواع معينة من الأذكار أو سائر القُرَب والطاعات.

حكم تخصيص بعض الأيام والليالي بالعبادة


إنَّ التزام المسلم بذكرٍ مخصوص أو طاعةٍ معينة في ليلةٍ أو يومٍ بعينه أمرٌ جائز شرعًا، لا حرج فيه ولا يُنهى عنه، وليس فيه كراهة ولا تحريم.

الأدلة على الجواز


الأصل أن ذكر الله تعالى والدعاء والتقرب إليه من أعظم القربات التي شُرعت في كل وقت وحين، قال سبحانه: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ﴾ [البقرة: 152]، وقال أيضًا: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: 60]. وجاء في الحديث الشريف أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الدُّعَاءُ هُوَ العِبَادَةُ»، ثم تلا قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [غافر: 60] (رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه).

كما ورد في الصحيحين أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم يَأْتِي مَسْجِدَ قُبَاءَ كُلَّ سَبْتٍ مَاشِيًا وَرَاكِبًا». قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (3/ 69): في هذا الحديث دلالة على جواز تخصيص بعض الأيام ببعض الأعمال الصالحة والمداومة عليها.

والقاعدة أن ما شَهِد الشرع بمشروعية أصله من العبادات، فإن تخصيص بعض أفراده أو أوقاته يبقى داخلًا في دائرة المشروعية. ومن ذلك حديث مسلم عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ…». وقد علّق الإمام النووي على ذلك في شرح صحيح مسلم (7/ 104) مبينًا أن الحديث يحث على إحداث السنن الحسنة، ويُخصص عموم قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «كُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ»، أي أن المذموم هو المحدثات الباطلة المخالفة للشرع.

وقال العلامة السندي في حاشيته على سنن ابن ماجه (1/ 90): المقصود بالسنة الحسنة الطريقة المرضية الموافقة للشرع، ويُعرف حسنها أو قبحها بمدى موافقتها لأصول الدين.

ويؤيد ذلك ما رواه البخاري ومسلم عن رفاعة الزرقي رضي الله عنه، حين قال رجل خلف النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الصلاة: «رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ»، فأقره النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأخبر أن الملائكة تسابقت لكتابة هذا الذكر. وهذا دليل على أن إحداث ذكر أو دعاء جديد لا حرج فيه إذا كان منضبطًا بالشرع، ولم يخالف أصوله.

إذن، تخصيص بعض الأيام أو الليالي بالطاعة والذكر أمرٌ جائز ومستحب، ما دام مندرجًا تحت عموم النصوص الشرعية ومحققًا لمقاصد العبادة.

تم نسخ الرابط