عاجل

مسجد ابن طولون.. تحفة معمارية خالدة تروي 11 قرنًا من التاريخ

مسجد ابن طولون
مسجد ابن طولون

في قلب القاهرة التاريخية، يقف مسجد ابن طولون شاهدًا على أكثر من أحد عشر قرنًا من الزمن، محتفظًا بأصالته كأقدم مسجد باقٍ في مصر على هيئته الأولى، وبمئذنته الحلزونية الشهيرة وصحنه الواسع، يروي المسجد حكاية الدولة الطولونية وملامح العمارة الإسلامية التي ازدهرت في القرن الثالث الهجري، ليظل حتى اليوم مقصدًا للسياح والباحثين ومحبي التراث. 

مسجد ابن طولون.. تحفة معمارية خالدة تروي 11 قرنًا من التاريخ

يعد مسجد ابن طولون، أو المسجد الطولوني، واحدًا من أهم وأشهر المساجد الأثرية في القاهرة، ورمزًا بارزًا من رموز العمارة الإسلامية في مصر. فقد أمر بإنشائه أحمد بن طولون مؤسس الدولة الطولونية عام 263هـ/877م بمدينة القطائع التي أسسها لتكون عاصمته الجديدة، وذلك ليكون ثالث مسجد جامع يقام في عاصمة مصر الإسلامية بعد جامع عمرو بن العاص في الفسطاط، وجامع العسكر في مدينة العسكر. 

ورغم أن جامع عمرو بن العاص ما زال قائمًا حتى اليوم، فإن مسجد ابن طولون يعد أقدم المساجد الباقية على حالته الأصلية في مصر، إذ لم تتعرض بنيته الأساسية للتغييرات الجذرية أو الترميمات التي غيرت ملامح مساجد أخرى. وقد ظل المسجد شاهدًا على عصور متعاقبة من التاريخ الإسلامي، محتفظًا بجمالياته المعمارية التي تمثل طرازًا فريدًا اقتبس عناصره من العمارة العباسية التي ازدهرت في مدينة سامراء بالعراق. 

ويمتاز المسجد بمساحته الواسعة التي تجعله من أكبر مساجد القاهرة التاريخية، وبمئذنته الشهيرة ذات السلم الحلزوني الخارجي، وهي المئذنة الوحيدة من نوعها في مصر. 

كما يحيط بالمسجد سور ضخم يحوي أبوابًا تفتح على صحنه الفسيح، الذي تتوسطه قبة صغيرة بقاعدة مربعة شُيّدت فوق بئر وضعت لخدمة المصلين. ولا يقتصر أهمية مسجد ابن طولون على قيمته الدينية والمعمارية، بل يمثل كذلك وثيقة تاريخية حية تجسد بدايات العمارة الإسلامية في مصر، وتروي ملامح حقبة الطولونيين التي وضعت لبنة جديدة في تاريخ البلاد. وقد أدرج المسجد ضمن قائمة الآثار الإسلامية المسجلة بوزارة السياحة والآثار المصرية، ليبقى أحد المعالم الخالدة التي يقصدها الزوار من مصر والعالم للتعرف على عظمة فنون العمارة الإسلامية. 

الترميم والدور الاجتماعي عبر العصور 

شهد المسجد عبر تاريخه الطويل عدة محاولات للحفاظ عليه، أبرزها في العصر المملوكي عندما أمر السلطان لاجين بترميم أجزاء منه عام 696هـ/1296م، بعدما ظل مهملًا لفترة طويلة، فأعاد إليه مكانته وأوقف له أوقافًا لضمان صيانته المستمرة. كما جرت أعمال ترميم حديثة في القرن العشرين على يد لجنة حفظ الآثار العربية، ولاحقًا ضمن مشروعات وزارة السياحة والآثار المصرية، ما أسهم في استعادة كثير من تفاصيله المعمارية الدقيقة. 

ولم يكن المسجد مجرد مكان للصلاة، بل كان أيضًا مركزًا للحياة الدينية والاجتماعية؛ فقد احتضن حلقات العلم والفقه، وكان ملتقى للعلماء والطلاب، كما مثّل نقطة تجمع لأهل القاهرة في المناسبات الدينية الكبرى. 

وبفضل اتساع ساحاته وتعدد أروقته، ظل المسجد فضاءً مفتوحًا يعكس روح المجتمع الإسلامي الذي يجمع بين العبادة والعلم والتواصل. مكانة سياحية وثقافية معاصرة اليوم، يشكل مسجد ابن طولون واحدًا من أبرز المزارات السياحية والثقافية في القاهرة الإسلامية، حيث يقصده الزوار من مختلف الجنسيات للاستمتاع بعمارته الفريدة والتعرف على تاريخه العريق. كما يستخدمه الباحثون والدارسون كنموذج حي لدراسة الطرز المعمارية الإسلامية المبكرة، فيما يمثل بالنسبة لأهل مصر جزءًا من هويتهم الحضارية والروحية. وتحرص وزارة السياحة والآثار على إدراجه ضمن مسار المزارات التاريخية بالقاهرة، إلى جانب مساجد السيدة زينب والسيدة نفيسة والحاكم بأمر الله، ليبقى شاهدًا خالدًا على تميز العمارة الإسلامية ومكانة القاهرة كإحدى أهم المدن التاريخية في العالم الإسلامي.

تم نسخ الرابط