عاجل

درويش الدراما.. كيف انعكس التصوف في مرايا حكايات نجيب محفوظ؟ |خاص

نجيب محفوظ
نجيب محفوظ

لم يكن الأديب العالمي نجيب محفوظ الحائز على جائزة نوبل؛ يكن مجرد حكّاء بارع يصوغ ملاحم المصريين في شوارعهم وحاراتهم، وإنما كان متصوفًا من طراز خاص، جعل من الحرف محرابًا، ومن الرواية طريقًا إلى أسرار الوجود، مشيرًا إلى أن البُعد الصوفي يطلّ في أعماله تارةً بوضوح وصراحة، وتارةً أخرى عبر الرمز والإشارة، ليحوّل الحكاية اليومية إلى رحلة روح تبحث عن معناها الأزلي.

كيف انعكس التصوف في مرايا حكايات نجيب محفوظ؟

وأكد الباحث الصوفي مصطفى زايد في تصريحات لـ «نيوز رووم»،  أن رواية الحرافيش تمثل أوضح حضور صوفي في أدب محفوظ، حيث لم تكن الحارة مجرد مسرح اجتماعي، بل صورة مكثفة للعالم بأسره، فـ"الحرافيش" هم البشر الساعون إلى النور، ويتكرر ظهور المرشد أو القطب الصوفي كل قرن ليعيد العدل، ثم يغيب لتتلاشى تعاليمه تحت سطوة السلطة والشهوة. 

ويرى أن شخصية عاشور الناجي تجسد فكرة "الإنسان الكامل" الذي يتجاوز ذاته ليبلغ مقام البقاء بعد الفناء، بينما يتجلى الصراع الأبدي بين "القلعة" رمز المادة والسطوة، و"الزاوية" رمز الروح والخلاص.

وتوقف زايد عند رواية أولاد حارتنا، التي شبهها بمخطوطة صوفية مكتوبة بلغة الرموز، مبينًا أن "جبلاوي" ليس مجرد شخصية أسطورية، وإنما ظلّ للحقيقة المطلقة التي يتفرع منها الوجود. أما أدهم، جبل، رفاعة، قاسم، وعرفة، فهي مقامات على الطريق الروحي: تبدأ بالطاعة، وتمتد إلى القوة والإصلاح والعدالة، وصولًا إلى العلم الذي يفتح باب المعرفة. واعتبر زايد أن رحلة البحث عن "الكنز" ليست سوى سعي صوفي نحو الحقيقة الكبرى واستعادة للفردوس المفقود.

كما أشار إلى أن النزعة الصوفية لم تقتصر على الروايات الرمزية، بل سرت في أعمال محفوظ الواقعية، حيث تجسد شخصياته ملامح "الفتوة" في معناها الصوفي، أي صورة الإنسان الكامل التي شرح ابن عربي مقاماته. ففي شخصية السيد أحمد عبد الجواد تتجلى الهيبة والسطوة المشابهة لسلطة الشيخ على مريديه، بينما يظهر في عيسى الدباغ ملامح الفتى الذي يمنح المغفرة ويضيء الطريق للآخرين.

جوهر التجربة الصوفية 

ويرى زايد أن "الخلوة" والبحث عن الذات –وهما جوهر التجربة الصوفية– يتكرران في أبطال محفوظ. ففي الطريق تمثل الرحلة إلى الأب رمزًا للبحث عن الأصل والحقيقة، بينما ينسحب بطل الشحاذ من عالم المادة إلى مواجهة داخلية مع الوجود والعدم، في صورة مشابهة لخلوة المريد. حتى الحب في أعماله لم يكن جسديًا عابرًا، بل ارتقى إلى مرتبة الرمز للحب الإلهي، حيث يذوب العاشق في معشوقه كما يذوب الصوفي في محبوبه الأزلي.

ولفت زايد إلى أن محفوظ استقى نزوعه الروحي من قراءاته المبكرة لكتب الغزالي وابن عربي والحلاج وذو النون المصري، فضلًا عن البيئة القاهرية القديمة التي امتلأت بالأضرحة والموالد والأذكار، وهو ما صبغ وجدانه بروح صوفية شعبية جمعت بين قداسة الروح ودفء الحياة اليومية.

واختتم زايد بالتأكيد على أن النزعة الصوفية في أدب نجيب محفوظ ليست عابرة ولا مجرد زينة رمزية، بل هي نسيج وجودي أصيل في مشروعه الإبداعي. فقد جعل من الرواية ميدانًا للتجربة الروحية، ومن الحارة منبرًا لتجليات النفس البشرية، لتغدو كل قصة مشهدًا في ملحمة العشق الإلهي التي لا تنتهي.

تم نسخ الرابط