التمويل الأخضر.. أداة البنوك المصرية لبناء اقتصاد منخفض الكربون

مع تصاعد التحديات البيئية والتغير المناخي، بدأت البنوك المصرية تعيد صياغة دورها لتصبح شريكًا فعالًا في بناء اقتصاد مستدام، لم تعد المعاملات المالية مجرد أرقام، بل تحولت إلى أدوات لدعم المشروعات الصديقة للبيئة، وتحفيز الابتكار في الطاقة المتجددة، وترشيد الموارد الطبيعية.
التمويل الأخضر أصبح اليوم محور اهتمام القطاع المصرفي، ليس فقط للحفاظ على البيئة، بل لتعزيز النمو الاقتصادي وتوفير فرص عمل جديدة، بما يوازن بين التنمية الاقتصادية وحماية كوكبنا للأجيال القادمة.
وفي سياق متصل، يرى أحمد شوقي، الخبير المصرفي، أن دخول البنوك المصرية إلى مجال التمويل الأخضر لم يعد خيارًا، بل أصبح ضرورة لمواكبة المتغيرات الاقتصادية والبيئية على المستوى العالمي.
وأوضح الخبير المصرفي في تصريحات خاصة لموقع «نيوز رووم» أن المؤسسات التمويلية الدولية باتت تشترط معايير الاستدامة كشرط أساسي لضخ الاستثمارات في الأسواق الناشئة، ما يفرض على البنوك التكيف مع هذه التوجهات.
وأشار شوقي إلى أن التمويل الأخضر يفتح أمام البنوك فرصًا جديدة للتوسع في أسواق مبتكرة، خصوصًا في قطاعات الطاقة الشمسية، وإدارة المخلفات، والمباني الذكية، لافتًا إلى أن هذه القطاعات ستشهد نموًا سريعًا في مصر خلال السنوات المقبلة مع تزايد الطلب على الحلول المستدامة.
وأكد أن التزام البنوك بقياس البصمة الكربونية لأنشطتها، وتبني تقارير استدامة شفافة، يسهم في تعزيز ثقة العملاء والمستثمرين على حد سواء، موضحًا أن الشفافية في عرض خطط تقليل الانبعاثات والانخراط في التمويل الأخضر يعزز من سمعة البنوك، ويجعلها أكثر قدرة على جذب التمويلات الخارجية بأسعار تنافسية.
البنوك والاقتصاد الأخضر
بدأت البنوك العاملة في مصر، سواء المحلية أو الأجنبية، في وضع استراتيجيات خاصة بالتمويل المستدام، تقوم على توفير قروض ومنتجات مصرفية صديقة للبيئة، هذه القروض تستهدف تمويل مشروعات الطاقة المتجددة، ترشيد استهلاك المياه والكهرباء، وتبني تقنيات حديثة تقلل من الانبعاثات الضارة.
وبحسب بيانات صادرة عن البنك المركزي المصري، فإن عدداً من البنوك بالفعل أطلق برامج لتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تركز على الحلول البيئية، مثل مشاريع الطاقة الشمسية، ومعالجة المخلفات، وتحسين كفاءة المباني.
التمويل الأخضر وبصمة الكربون
لم يقتصر دور البنوك على منح التمويل، بل امتد إلى حساب البصمة الكربونية لمؤسساتها وفروعها، في خطوة تعكس التزامها بالمسؤولية البيئية، حيث بعض البنوك أصدرت تقارير دورية توضح حجم الانبعاثات الناتجة عن أنشطتها، مع خطط لتقليلها تدريجيًا عبر الاعتماد على الطاقة النظيفة، والتحول إلى المعاملات الرقمية للحد من استهلاك الورق.
دعم الاقتصاد ونمو مستدام
التمويل الأخضر لا يخدم البيئة فقط، بل يساهم بشكل مباشر في تنشيط الاقتصاد، حيث يجذب استثمارات جديدة ويوفر فرص عمل، خصوصًا في قطاعات الطاقة المتجددة والبنية التحتية الخضراء. كما أن اعتماد البنوك لهذه الآلية يرفع من قدرتها التنافسية على المستوى الإقليمي والدولي، ويجعلها أكثر جذبًا للمؤسسات التمويلية العالمية.
أمثلة بارزة
البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية ضخ استثمارات كبيرة في مصر لدعم برامج القروض الخضراء بالتعاون مع عدد من البنوك المحلية.
بعض البنوك التجارية مثل بنك مصر والبنك الأهلي المصري بدأت بالفعل في تبني برامج للطاقة المتجددة وتمويل مشروعات خضراء.
كما أطلق بنك قناة السويس حزمة تمويل بالشراكة مع مؤسسات دولية لتشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة على الاستثمار في التقنيات الصديقة للبيئة.
توجه البنوك نحو التمويل الأخضر يعكس نقلة نوعية في دور القطاع المصرفي، حيث أصبح شريكًا أساسيًا في جهود مواجهة التغير المناخي وبناء اقتصاد مستدام. ومع اتساع نطاق هذه المبادرات، يُتوقع أن تصبح البصمة الكربونية معيارًا رئيسيًا في تقييم البنوك، وأن يشهد الاقتصاد المصري طفرة جديدة قائمة على التوازن بين النمو والحفاظ على البيئة.