القمر الدموي والوجه الروحي… ماذا يقول الصوفية ويقرأون في ظلمات الخسوف؟| خاص

لحظات وتبدأ ظاهرة القمر الدموي أو الخسوف الكلي للقمر ليغلب عليه اللون الأحمر ليشبه القمر في هذه اللحظات لون الدم، فما هو الوجه الروحي لهذه الظاهرة الفلكية، وماذا يقول الصوفية ويقرأون في ظلامات الخسوف؟
ماذا يقول الصوفية عن القمر الدم؟
في الوقت الذي ينشغل فيه علماء الفلك بقراءة خسوف القمر باعتباره ظاهرة كونية محضة، يذهب المتصوفة إلى قراءة أخرى أكثر عمقاً، يرونها منسوجة بخيوط الروح ومعاني الغيب. بالنسبة لهم، ليس الخسوف مجرد ظل يحجب النور، بل هو جرس تنبيه روحي، وإشارة إلى تغير الأحوال القلبية، ونداء للعودة إلى الله.
يقول الباحث في الشأن الصوفي مصطفى زايد في تصريحات خاصة لـ «نيوز رووم»، إن الفكرة عند الصوفية تقوم على أن الكون كتاب مفتوح، يُقرأ إلى جانب الكتاب المسطور ـ القرآن الكريم. في «إحياء علوم الدين» للإمام أبي حامد الغزالي، يربط الغزالي بين ظلمة الخسوف وظلمة القلب قائلاً: «فإذا رأى الكسوف والخسوف... فليعتبر بذلك في ظلمة قلبه، وليعلم أن نور قلبه قد حجبه عن أنوار المعرفة سحاب الشهوات، فيستغفر ويستعيذ بالله من ذلك». هذه العبارة تختصر رؤية الصوفية: أن قلب الإنسان مثل القمر، يضيء بنور الهداية، ويخسف إذا حجبته الشهوات.
وسائل لإثارة حالة الخوف من الله
ولفت إلى أن القمر في رمزية الصوفية هو القلب؛ فهو في أصله جسم مظلم لا نور له، لكنه يستمد نوره من الشمس، كما يستمد القلب إشراقه من شمس المعرفة الإلهية. فإذا غابت الشمس أو اعترض الحجاب، غاب النور وخسف. ابن عطاء الله السكندري يشير إلى هذا في حكمه الشهيرة: «كيف يشرق قلب صور الأكوان منطبعة في مرآته؟» كما جاء في الحكم العطائية. الشراح يوضحون أن القلب إذا امتلأ بصور الدنيا انطفأ نوره، فيكون الخسوف تنبيهاً: أي حجاب حال بين القلب وبين نور ربه؟
وفي «قوت القلوب» لأبي طالب المكي، نجد أن الخسوف وغيره من الآيات المخوفة هي وسائل لإثارة حالة الخوف من الله، والتي تدفع العبد إلى التوبة والمراجعة. فهو لا يراها مجرد أحداث فلكية، بل نداءات توقظ من الغفلة.
أما الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي، ففي «الفتوحات المكية»، يشرح أن العالم الكبير (الكون) والعالم الصغير (الإنسان) متداخلان، وأن ما يقع في الأول له نظائر في الثاني. خسوف القمر عنده ليس إلا انعكاساً لظلمة تجتاح بعض القلوب، لكن المؤمن يتعالى عليها بالذكر والعبادة.
كتب المناقب والطبقات تنقل بدورها مشاهد حيّة من موقف الصوفية أمام الخسوف. فقد روي عن سهل بن عبد الله التستري أنه قال عند الخسوف: «إن الله تعالى يخوف عباده بآياته لئلا يكونوا من الغافلين» كما جاء في طبقات الصوفية للأنصاري. أما ذو النون المصري فبكى عند الخسوف وقال: «سبحان من يخوف عباده بآياته ليتعظوا» كما ورد في الطبقات الكبرى للشعراني.
حين يخسف القمر في عين الفلكي هو مجرد ظل أرضي، إلا أنه في عين الصوفي مرآة لظل آخر: ظل الغفلة على القلوب. وإذا كان القمر يعود ليضيء بعد الخسوف، فإن القلب كذلك قادر على استعادة نوره بالتوبة والإنابة. تلك هي القراءة الصوفية التي تحوّل حدثاً فلكياً عابراً إلى درس روحي خالد، يدعو الإنسان إلى مراجعة توازنه الداخلي واستعادة النور المفقود.