زيارة بوتين الثانية إلى الصين.. تحول في موازين القوى العالمية؟

للمرة الثانية منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، يزور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الصين، لكن زيارته هذه المرة تختلف عن سابقتها بشكل جذري، فبوتين لا يظهر كزعيم محاصر بالعقوبات الغربية أو تابع للرئيس الصيني شي جينبينغ، بل يقدم كقوة موازية للرئيس الأمريكي، في لحظة تعكس تغيرًا ملموسًا في موازين القوى العالمية.
تأتي هذه الزيارة بعد رحلة مثيرة للجدل إلى ألاسكا، حيث استقبل بوتين رسميًا من قبل دونالد ترامب، في مشهد نادر الحدوث على الأراضي الأمريكية، وقد تمكن بوتين خلالها من إقناع ترامب بالتخلي عن مطالبه بوقف الهجمات الروسية على أوكرانيا، كما أقنعه بالتراجع عن فرض عقوبات جديدة.
قمة منظمة شنغهاي.. بوتين نجم الحدث
تعقد في مدينة تيانجين الصينية قمة منظمة شنغهاي للتعاون بمشاركة أكثر من 12 زعيمًا إقليميًا، وتستمر على مدار يومين، من أبرز المشاركين: زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، المعروف بخطابه العدائي للغرب، ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، الذي تحيط علاقته بكل من بكين وواشنطن بتعقيدات متزايدة.
وفي بكين، سيستقبل بوتين استقبالًا حافلًا خلال موكب رسمي لإحياء الذكرى الـ 80 لانتهاء الحرب العالمية الثانية والانتصار على الفاشية، في مشهد يعكس رمزية عالية ودلالات سياسية واضحة.
هل يتشكل محور عالمي مناهض لأمريكا؟
تثير هذه الفعاليات الكبرى تساؤلات حول ما إذا كانت الصين تقود تحالفًا عالميًا جديدًا لمواجهة النفوذ الأمريكي، فثمة مؤشرات على سعي كل من روسيا والصين إلى تعزيز شراكتهما، بل وربما إحياء التكتل الثلاثي الذي يضم أيضًا الهند، والذي بقي في حالة خمول منذ خمس سنوات.
ورغم محاولات ترامب السابقة لإحداث شقاق بين موسكو وبكين، فإن الزيارة الحالية توحي بأن هذا الهدف لم يتحقق، ويشير مراقبون إلى أن "استراتيجية كيسنجر العكسية" أي محاولة سحب روسيا من تحت جناح الصين لم تسفر عن نتائج ملموسة.
شراكة روسية - صينية تتجاوز الطاقة
تقول تحليلات إن الشراكة بين روسيا والصين لم تعد تقتصر على الطاقة والتبادل التجاري، فبعد انسحاب الشركات الغربية من السوق الروسية، أصبحت الصين المورد الرئيسي للسلع، في حين باتت روسيا مزودًا رئيسيًا للطاقة.
لكن الأهم هو الانسجام الإيديولوجي بين البلدين فكلاهما يناهض الهيمنة الأمريكية، ويتبني نموذجًا سلطويًا في الحكم، ويشتركان في عضوية مجلس الأمن وامتلاك القوة النووية، ويقول الخبير بيير أندريو: "روسيا والصين تكملان بعضهما اقتصاديًا، روسيا غنية بالموارد، والصين صناعية وتقنية، ولكن الأهم هو العلاقة الشخصية الوثيقة بين بوتين وشي".
"صداقة بلا حدود".. ولكن بحذر
منذ توقيع إعلان "الصداقة بلا حدود" عام 2022 بين بوتين وشي قبيل الغزو الروسي لأوكرانيا، توطدت علاقتهما، إذ يصف شي بوتين بـ "الصديق العزيز"، وقد التقيا أكثر من 40 مرة أكثر من أي لقاءات أخرى أجراها شي مع أي زعيم عالمي.
مع ذلك تحذر الخبيرة باتريشيا كيم من أن الصين لا تريد روسيا قوية أكثر من اللازم، فهي ترى أن الصين تستفيد من إبقاء روسيا قوية بما يكفي لمواجهة الغرب، لكن ضعيفة بما يكفي للبقاء تحت نفوذ بكين.
دور الهند: بين التحالفات والحياد
تلعب الهند دورًا معقدًا في هذا السياق، فهي الطرف الثالث في تحالف روسيا–الهند–الصين، لكنها في الوقت ذاته تسعى للحفاظ على استقلالية سياستها الخارجية.
اللقاء بين شي ومودي في تيانجين هو الأول منذ سبع سنوات، بعد توتر العلاقات بين البلدين إثر المناوشات في وادي غالوان عام 2020، وفي ظل الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على الصادرات الهندية بسبب استمرار شراء النفط الروسي، بدأت نيودلهي تعيد تقييم تحالفاتها.
أعلن مودي عن استئناف الرحلات الجوية بين الهند والصين، فيما شدد شي على ضرورة معالجة العلاقات بين البلدين من منظور استراتيجي طويل المدى.
تحالفات جديدة أم مشهد عابر؟
تسعى كل من روسيا والصين إلى إحياء تحالف ثلاثي يضم بعضًا من أكبر اقتصادات العالم، لموازنة النفوذ الأمريكي المتصاعد، وتعتبر هذه المبادرة امتدادًا لتحالفات أخرى مثل مجموعة "بريكس".
لكن الانضمام الكامل للهند لتحالف ضد واشنطن يبدو غير مرجح على المدى القريب، فالهند تخشى من تعزيز نفوذ الصين في جنوب آسيا، كما أن علاقات بكين الوثيقة مع إسلام أباد تثير قلق نيودلهي.
حدث رمزي ضخم.. استعراض الأنظمة الاستبدادية؟
ينتظر أن يشهد العرض العسكري في بكين يوم 3 سبتمبر مشاركة 26 رئيس دولة، من بينهم بوتين، كيم جونغ أون، والرئيس الإيراني مسعود بيزشكيان، في ساحة تيانانمن التاريخية.
هذا الحدث الذي ينظم بدقة ويضم عشرات آلاف الجنود لأول مرة اجتماع قادة الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية معًا في مناسبة واحدة، ما يثير تساؤلات حول تشكيل محتمل لما يطلق عليه "محور الأنظمة الاستبدادية".
يقول المحلل نيل توماس إن "هذا اللقاء لا يمثل بالضرورة تحالفًا دائمًا، نظرًا لاختلاف أهداف أعضائه وضعف الثقة المتبادلة، لكنه يؤكد الدور المتعاظم للصين كزعيمة للأنظمة السلطوية عالميًا".