عاجل

إيهاب عمر: بريطانيا صنعت جماعة الإخوان لتفتيت المنطقة

أيهاب عمر
أيهاب عمر

يؤكد الباحث والكاتب السياسي  إيهاب عمر أنّ جذور جماعة الإخوان المسلمين ليست مجرد نشأة فكرية داخلية في مصر كما يُروَّج، بل ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمخططات استعمارية وضعتها بريطانيا منذ بدايات القرن العشرين بهدف استخدام الدين كأداة سياسية لتحقيق مصالحها في المنطقة، وفي ظل ما تشهده الساحة العربية من أحداث متلاحقة، يظل الحديث عن علاقة بريطانيا بالجماعة وما تبعها من تحركات أمنية وقضائية للقبض على عناصرها مثار جدل واسع.

جذور تاريخية: كيف أسست بريطانيا الجماعة لأهداف استعمارية؟

يشير عمر إلى أنّ وثائق تاريخية متعددة تكشف أنّ بريطانيا لم تكن بعيدة عن فكرة إنشاء تنظيم قادر على التأثير في الشارع العربي، مستغلة في ذلك الحس الديني للمجتمعات الشرقية ، فقد كانت لندن ترى أنّ الجماعات الدينية هي الأداة الأنسب لتمزيق النسيج الاجتماعي، وإشغال الشعوب عن مواجهة الاستعمار بمواجهة داخلية بين أبناء الوطن الواحد.

ويضيف أنّ حسن البنا، مؤسس الجماعة، وجد دعماً غير مباشر من جهات بريطانية في البداية، خصوصاً أنّ لندن كانت تسيطر آنذاك على مصر وتتابع بدقة أي تحركات سياسية أو اجتماعية يمكن توظيفها لخدمة مصالحها. وبالتالي، لم يكن تأسيس الجماعة عام 1928 حدثاً عفوياً بقدر ما كان جزءاً من رؤية أشمل لإدارة المنطقة.

الإخوان أداة سياسية منذ البداية

بحسب ما طرحه الباحث، فإن الإخوان المسلمين لم يكونوا مجرد حركة دعوية كما زعموا، بل صُمموا منذ نشأتهم كحركة سياسية تعمل تحت غطاء الدين. الهدف كان واضحاً: تفتيت القوى الوطنية التي كانت تطالب بالتحرر والاستقلال، وزرع تنظيم موازٍ يشغل الساحة بمطالب أيديولوجية ويحول الأنظار عن القضايا الوطنية الكبرى.

ويرى عمر أنّ بريطانيا لم تكتفِ فقط برعاية النشأة الأولى، بل تركت المجال واسعاً أمام الإخوان للتمدد داخل المؤسسات التعليمية والاجتماعية، ليصبحوا خلال عقود قليلة قوة يصعب تجاوزها. هذا التمدد لم يكن بريئاً، بل جزءاً من سياسة "فرق تسد" التي اشتهرت بها الإمبراطورية البريطانية.

العلاقة بين لندن والجماعة في ظل التحولات الدولية

مع تغير موازين القوى الدولية بعد الحرب العالمية الثانية، حافظت بريطانيا على قنوات اتصال مع الجماعة، حتى عندما ظهرت الولايات المتحدة كقوة صاعدة في المنطقة. يؤكد عمر أن الإخوان تحوّلوا تدريجياً إلى ورقة تفاوض تستخدمها لندن وواشنطن معاً للضغط على الأنظمة الوطنية.

وفي فترات لاحقة، خاصة مع صعود الحركات القومية العربية، وجد الإخوان أنفسهم في مواجهة مباشرة مع أنظمة وطنية رافضة للاستعمار، وهو ما أعاد إنتاج العلاقة بينهم وبين القوى الغربية التي رأت فيهم الحليف القادر على إضعاف خصومها.

من الماضي إلى الحاضر: القبض على عناصر الجماعة

لم يقتصر حديث الباحث على التاريخ فقط، بل أشار أيضاً إلى التطورات الراهنة المتعلقة بالقبض على قيادات وعناصر تنتمي للجماعة في أكثر من دولة عربية. وأوضح أنّ هذه الإجراءات لا تأتي بمعزل عن السياق التاريخي، فالجماعة التي صُنعت في الأساس لخدمة أجندة خارجية ما زالت حتى اليوم تتحرك وفق منطق التبعية لقوى خارجية.

ويشدد عمر على أنّ اعتقال قيادات الإخوان ليس مجرد ملف أمني، بل هو معركة فكرية وسياسية تهدف إلى حماية الدول من مشروع قديم يتجدد في كل مرحلة، مستخدماً شعارات دينية لجذب البسطاء، بينما يخفي وراءه مصالح قوى كبرى.

لماذا يظل ملف الإخوان حساساً حتى اليوم؟

يؤكد الباحث أنّ جماعة الإخوان تمثل تحدياً مزدوجاً: فهي من ناحية حركة ذات خطاب ديني قادر على التأثير في العقول، ومن ناحية أخرى أداة سياسية مرتبطة بتوجهات خارجية  هذا التداخل يجعل التعامل معها معقداً، لأن الصراع معها ليس فقط أمنياً، بل هو معركة وعي أيضاً.

ويضيف أنّ كثيراً من الأجيال الشابة لم تدرك الخلفية التاريخية لهذه الجماعة، وبالتالي يسهل تضليلها بالشعارات، ما يستدعي جهداً فكرياً وإعلامياً لتوضيح حقيقة المشروع الإخواني منذ نشأته.

دور الباحثين في كشف الحقائق

يرى عمر أنّ مسؤولية النخب الفكرية والسياسية كبيرة في هذه المرحلة، إذ لا يكفي فقط رصد محاولات الجماعة لإعادة إنتاج نفسها، بل يجب كشف جذورها التاريخية وربطها بالمخططات الاستعمارية  فالتاريخ، بحسب تعبيره، ليس مجرد صفحات من الماضي، بل هو خريطة لفهم الحاضر والتصدي لتكرار الأخطاء.

كما شدد على أنّ ما يحدث اليوم من محاكمات واعتقالات لعناصر الجماعة ينبغي أن يُقرأ في إطار المواجهة الشاملة لمشروع أكبر من مجرد تنظيم محلي، بل لشبكة عابرة للحدود صُممت في الأساس على يد قوى استعمارية، ثم تطورت لتخدم مصالح قوى دولية حتى اللحظة.

الخلاصة: معركة وعي قبل أن تكون معركة أمن

اختتم الباحث حديثه بالتأكيد على أنّ المعركة مع جماعة الإخوان لا يمكن حسمها بالقبضة الأمنية وحدها، رغم أهميتها، بل يجب أن تترافق مع معركة وعي تكشف للمجتمع جذور هذه الجماعة ودورها كأداة استعمارية. فالفكر لا يواجه إلا بالفكر، والحقيقة التاريخية هي السلاح الأقوى لكشف زيف الشعارات التي طالما رفعتها الجماعة عبر عقود.

تم نسخ الرابط