لمن قصر حال حياته.. هل تجوز الصلاة عنه وهبة ثواب الصلاة إليه؟

أوضحت دار الإفتاء أنه من المقرر فقهًا أن الإنابة لا تصح في العبادات البدنية مثل الصلاة باستثناء الحج؛ فإن له أحكامًا خاصة.
وبناءً عليه: فإن إنابة الابن لأداء الصلاة عن والده حيًّا أو ميِّتًا لا تجوز؛ لعموم قوله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى المُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا﴾ [النساء: 103].
وأما عن هبة ثواب الصلاة بمعنى أن يصلي الابن لنفسه نافلة مطلقة ويدعو بمثل ثواب هذه الصلاة لأبيه أو لغيره من الأموات فإنه جائز، وهذا يُعَدُّ من باب الدعاء للميت بثواب معين، وهو جائز بالإجماع.
ما حكم التسبيح وقراءة القرآن عند دفن الميت؟
قالت دار الإفتاء أن السنّة فيمن يحضر دفن الميت أن ينشغل بالدعاء له، وتلاوة القرآن عند قبره، وكذلك يُشرَع كل ذكرٍ من تسبيح وتهليل ونحوه. وقد نص العلماء على استحباب قراءة القرآن الكريم في المسجد أو عند القبر، سواء قبل الدفن أو أثناءه أو بعده. والمعتمد عند المذاهب الفقهية الأربعة أن الدعاء والذكر وسائر القُرَب تصل ثوابها إلى الميت وينتفع بها، وقد جرى على ذلك عمل المسلمين عبر القرون جيلاً بعد جيل بلا إنكار. ومن ثمّ فلا يصحّ الطعن على من يقوم بهذه الأعمال أو اتهامه بالابتداع، لأن الذكر والدعاء مشروعان على الإطلاق وفي كل الأحوال.
حكم الذكر وقراءة القرآن عند دفن الميت
ثبت في السنة أن من المستحب أن يقف أهل الجنازة والمشيعون عند القبر بعد دفن الميت ويدعون له بالمغفرة والثبات، فقد ورد أن النبي ﷺ كان إذا فرغ من الدفن قال: “استغفروا لأخيكم، واسألوا له التثبيت فإنه الآن يُسأل”، كما أوصى عمرو بن العاص رضي الله عنه أن يقف أهله عند قبره قدر ما تُنحر جزور ويُقسم لحمها ليستأنس بهم.
ولهذا استحب العلماء أن يجلس الحاضرون عند القبر بعد الدفن بعض الوقت للدعاء للميت، ولا بأس أن تسبق ذلك موعظة قصيرة تذكر بالآخرة لترقيق القلوب وجمع الهمة في الدعاء، فقد ثبت أن النبي ﷺ جلس مع أصحابه في البقيع بعد دفن أحد الموتى ووعظهم.
قال الإمام النووي: يُستحب أن يجلس الناس عند القبر ساعة بعد الدفن، ويشتغلون بتلاوة القرآن والدعاء والذكر، بل ورأى الشافعي وجماعة من أهل العلم أن قراءة القرآن عند القبر مستحبة، ولو ختموا القرآن كله كان ذلك حسنًا.
وعليه فإن المشروع هو الدعاء وقراءة القرآن والتسبيح والتهليل عند القبر، ولا يصح إنكار ذلك على فاعليه، لأن ذكر الله تعالى مشروع على الإطلاق.
حكم إهداء ثواب التسبيح وقراءة القرآن للميت
الأصل أن قراءة القرآن مأمور بها على سبيل الإطلاق، والأمر المطلق يشمل كل زمان ومكان وحال، وبالتالي لا يصح تقييدها إلا بدليل. ومن هنا كانت قراءة القرآن وإهداء ثوابه للميت – سواء عند قبره أو في أي مكان آخر – أمرًا مشروعًا دلّت عليه نصوص وأحاديث وآثار كثيرة، نقلها عدد من الأئمة مثل الخلّال والقرطبي والسيوطي وغيرهم.
ومن الأحاديث التي وردت في ذلك: ما جاء عن اللَّجْلاج أنه أوصى ابنه أن يقرأ عند قبره فاتحة البقرة وخاتمتها، وقال إنه سمع النبي ﷺ يأمر بذلك. كما ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما حديث فيه الأمر بقراءة الفاتحة وخاتمة البقرة عند القبر، وإسناده حسن.
كما وردت أحاديث أخرى في فضل قراءة سورة الإخلاص أو يس عند القبور، وإن كان أكثرها ضعيفًا، إلا أن العلماء قالوا إن مجموعها يدل على أن لها أصلًا، وأن المسلمين توارثوا هذا العمل جيلًا بعد جيل من غير إنكار، مما يجعله مستحبًا.
وقد استدل بعض العلماء بحديث الجريدة الخضراء التي وضعها النبي ﷺ على القبرين لتخفيف العذاب، فقالوا: إذا كان التسبيح الصادر من عود رطب سببًا في التخفيف، فتلاوة القرآن أولى وأعظم أثرًا. وهذا ما ذهب إليه القرطبي والنووي وغيرهما.
كما أن وصول ثواب القراءة للميت قياسًا على وصول ثواب الحج والصدقة والدعاء أمر متفق عليه عند جمهور الفقهاء، بل نقل بعض العلماء الإجماع على أن الدعاء والصدقة والحج والقراءة يصل ثوابها للميت وينتفع بها.
بناءا على ذلك
• المشروع بعد الدفن: الدعاء للميت، والاستغفار له، وقراءة القرآن عند قبره.
• الذكر وقراءة القرآن عند القبر أمر مستحب عند جمهور العلماء.
• إهداء ثواب القرآن أو التسبيح أو غيرهما من أعمال البر للميت يصل إليه وينتفع به بإذن الله.
• هذا هو العمل الذي جرى عليه المسلمون عبر العصور، ولم ينكره أحد من أهل العلم المعتبرين.