حين أوقف الملك فاروق الحرب إكرامًا للمولد النبوي..قرار ملكي فريد لم يتكرر|خاص

في ديسمبر عام 1948، وبينما كانت المدافع المصرية تقاتل في حرب فلسطين، أصدر الملك فاروق الأول قرارًا استثنائيًا: وقف إطلاق النار 12 ساعة كاملة بمناسبة المولد النبوي الشريف.
قال الباحث الصوفي مصطفى زايد في تصريح لـ نيوز رووم، إن القرار صدر مساء 11 ديسمبر، ونشرته جريدة الأهرام في اليوم التالي، بنص مقتضب على لسان القيادة العامة للقوات المسلحة يؤكد:تعلن القيادة العامة للقوات المسلحة وقفًا مؤقتًا لإطلاق النار لمدة 12 ساعة تبدأ من غروب شمس اليوم، احترامًا لليلة المولد النبوي الشريف".
هذه الوثيقة لا تزال محفوظة بدار الوثائق القومية بالقاهرة، ضمن ملف الجيش المصري 1948 (رقم 873).
دهشة عالمية وتغطية صحفية غير مسبوقة
القرار فاجأ المراقبين الدوليين؛ إذ كتبت صحيفة التايمز البريطانية:إنه أول وقف نار في التاريخ يعلن لتكريم ميلاد نبي".
أما وكالة أسوشيتد برس فقد تساءلت عمّا إذا كان القرار "مناورة تكتيكية لإعادة تنظيم القوات المصرية، أم أنه صادر عن بواعث دينية خالصة".
قراءة في شخصية الملك فاروق
الباحث الصوفي مصطفى زايد يرى أن شخصية فاروق لا يمكن فصلها عن ميله الواضح للتصوف والاحتفال بالمناسبات الدينية: كان الملك فاروق شديد التعلق بالمولد النبوي، ويحرص على حضور الليالي الدينية بالأزهر، ويؤمن بكرامات الأولياء، ولذلك لم يكن غريبًا أن يربط قرارًا عسكريًا كبيرًا بمناسبة روحية عظيمة".
ويضيف “زايد” أن هذا التداخل بين الديني والسياسي "يعكس طبيعة الملكية في مصر آنذاك، حيث كان الدين حاضرًا بقوة في المجال العام، حتى داخل القرارات العسكرية".
على الجبهة: 12 ساعة من الصمت
في مذكراته، أكد الفريق محمد فوزي أن القتال توقف تمامًا خلال تلك الساعات، حتى الطائرات الإسرائيلية لم تُحلّق. ويصف “زايد”هذه اللحظة بقوله:كانت استراحة روحية نادرة في قلب النار، أعطت الجنود المصريين دفعة معنوية وسط حصار الفالوجا ومعارك شرسة".
سابقة لم تتكرر
لم يعرف تاريخ الحروب المصرية أو العربية تكرار مثل هذا القرار. ففي حرب 1956، أو نكسة يونيو 1967، أو حتى حرب أكتوبر 1973 التي اندلعت في يوم الغفران اليهودي، لم يوقف أي طرف القتال احترامًا لمناسبة دينية.
وأكد" زايد" أن هذا القرار يظل استثناءً وحيدًا في التاريخ العسكري الحديث، لأنه جمع بين الإيمان والتصوف والسياسة في لحظة واحدة، وظل علامة فارقة على خصوصية الحقبة الملكية في مصر".
قرار شاهد على زمن مختلف
اليوم وبعد أكثر من سبعة عقود، يبقى قرار الملك فاروق بوقف الحرب إكرامًا للمولد النبوي وثيقة فريدة تجسد تقاطع الدين مع السياسة والعسكر. قرار لم يتجرأ أحد على تكراره، وظل شاهدًا على زمن كانت الروحانية فيه قادرة على أن توقف المدافع ولو لساعات.