قمة ألاسكا المرتقبة بين ترامب وبوتين.. مخاوف سياسية وأزمة ثقة داخل واشنطن

في الوقت الذي يستعد فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للقاء نظيره الروسي فلاديمير بوتين في قمة مرتقبة بولاية ألاسكا، تتصاعد المخاوف في الأوساط السياسية الأمريكية من توقيت القمة ودلالاتها السياسية، أكثر من القلق من فشلها في تحقيق الهدف المعلن منها، وهو التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في أوكرانيا.
وكشف قيادي جمهوري بارز، مقرب من الرئيس ترامب، في تصريحات خاصة لـ"إرم نيوز"، أن ما يُقلق الرئيس ليس احتمالات إخفاق القمة، بل الطريقة التي ستُفسر بها هذه الخطوة في ظل الاستعدادات الجارية داخل الكونغرس الأمريكي لإقرار أكبر حزمة عقوبات ضد دولة أجنبية في تاريخ الولايات المتحدة، تستهدف روسيا، وبإجماع نادر بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي.
وأوضح المصدر، الذي فضل عدم كشف هويته، أن التراجع الظاهري من قبل إدارة ترامب في التعامل مع روسيا قد يمنح بوتين شعورًا بالطمأنينة إزاء مستوى ردود الأفعال الأمريكية في المرحلة المقبلة، وهو ما يثير القلق لدى عدد من المحيطين بالرئيس، الذين لا يرون في بوتين شريكًا موثوقًا.
وأشار القيادي الجمهوري إلى أن معظم المحافظين داخل الحزب لا يزالون يؤمنون بأن مستوى الثقة الذي يجب أن تُمنح لبوتين يجب أن يبقى في حدوده الدنيا، مستشهدين بتجارب خمسة رؤساء أمريكيين، بينهم ترامب نفسه، لم تثمر محاولاتهم لبناء علاقات متوازنة أو مستقرة مع الزعيم الروسي.
خيبة أمل من خيار "العلاقة الشخصية"
وقال المصدر إن فريقًا من مستشاري ترامب أعربوا مرارًا عن خيبة أملهم من رهان الرئيس المستمر على العلاقة الشخصية المباشرة مع بوتين، والتي يرى فيها مخرجًا محتملًا لأزمة أوكرانيا، في حين أن المعطيات الأمنية والاقتصادية تشير إلى أن الضغط المتزايد على موسكو هو الخيار الأكثر جدوى.
وأوضح أن تقارير الأجهزة الأمنية الأمريكية تؤكد أن الاقتصاد الروسي لن يصمد لفترة طويلة تحت وطأة الحرب، وأن مزيدًا من الضغط الأوروبي والأمريكي من شأنه أن يخلق أرضية تفاوضية أكثر توازنًا للطرفين، إلا أن ذلك يتطلب اعتماد "استراتيجية وقت مضادة"، تقوم على الصبر الاستراتيجي لا التسرع في التفاوض.
وتُفسر هذه الاستراتيجية، وفق القيادي الجمهوري، بأنها الرد الأفضل على سياسة بوتين التي تتسم بـ"نعومة ظاهرية" و"شراسة واقعية"، حيث يدير الكرملين حوارات دبلوماسية ناعمة، بينما يواصل تصعيده العسكري على الأرض لتعزيز أوراقه التفاوضية.
"ازدواجية بوتين" تُربك إدارة ترامب
وتعكس المواقف الروسية المتكررة نوعًا من الازدواجية، بحسب المصدر، فقد أظهرت موسكو مرونة لفظية خلال اللقاءات التي جرت بين الجانبين، سواء في السعودية أو تركيا أو اللقاءات الثنائية بين وزيري الخارجية الأمريكي والروسي، إلا أن تلك الجلسات كثيرًا ما كانت تعقبها تصعيدات ميدانية مباشرة من قبل الجيش الروسي في أوكرانيا.
وأكد القيادي أن وزير الخارجية الحالي ومستشار الأمن القومي، ماركو روبيو، كان من أوائل المسؤولين الذين حذروا من هذا "الفخ الروسي"، لافتًا إلى أنه دعا إلى إعادة النظر في دور الولايات المتحدة كوسيط نشط، واقترح انسحابًا تكتيكيًا من الوساطة إلى حين بلوغ الأطراف مرحلة الإنهاك وطلب التدخل الأمريكي.
وبالرغم من ذلك، فإن هذا التوجه لم يكن مقبولًا من الناحية الاستراتيجية في البيت الأبيض، نظراً لتداعيات الأزمة الأوكرانية على الأمن الدولي وحلفاء واشنطن في أوروبا، وهي نقطة كانت ولا تزال محور خلاف بين الولايات المتحدة وشركائها الأوروبيين.
وتبنى روبيو، بحسب المتحدث، رؤية متوازنة تقوم على إبقاء الضغوط قائمة على موسكو بالتوازي مع قنوات الدبلوماسية، محذرًا من الثقة الزائدة في وعود بوتين.
وبحسب المصدر، فإن اللحظة الفاصلة في تبدّل موقف ترامب كانت خلال الاتصال الهاتفي الأخير بينه وبين بوتين، عندما تأخر الأخير عن الموعد المتفق عليه لمدة عشرين دقيقة دون تفسير، ما أثار غضب ترامب ودفعه إلى الاعتقاد بأن بوتين لا يُقدّر الجهود الأمريكية، ولا يسعى بجدية إلى تسوية.
وأضاف المصدر أن هذا الحادث البسيط ظاهريًا أنهى عمليًا رهان الرئيس الأمريكي على إمكانية تحقيق اختراق دبلوماسي من خلال العلاقة الشخصية، ودفعه نحو تبني مقاربة أكثر تشددًا، تشبه إلى حد كبير النهج الذي تبنته إدارة بايدن في التعامل مع موسكو.
ألاسكا.. رمزية الموقع ومكسب دبلوماسي
وعن مكان القمة، أوضح المصدر أن إقناع روسيا بعقد اللقاء في ولاية ألاسكا الأمريكية يُعد مكسبًا دبلوماسيًا لفريق ترامب، الذي يرى أن الموقع يحمل رمزية تاريخية قوية، كونه يشكّل الحد الجغرافي الأقرب بين الدولتين، ويعكس بداية محتملة لعلاقة جديدة.
وأكد ترامب، في تصريحات سابقة، أن اللقاء كان من الممكن أن يُعقد في دولة ثالثة محايدة، لكن قبول روسيا بإجرائه على الأراضي الأمريكية يعكس مرونة دبلوماسية تمثل نجاحًا أوليًا للبيت الأبيض.
الجدل داخل الكونجرس
وفي وقت يرى فيه الديمقراطيون أن القمة جاءت مستعجلة دون تحضير كافٍ من الجانب الأمريكي، مما قد يؤثر سلبًا على مخرجاتها، يرد الجمهوريون بأن فريق ترامب يمتلك معرفة دقيقة بتفاصيل الأزمة، ويعمل على الملف الأوكراني منذ إعلان نتائج الانتخابات.
وأكد عدد من أعضاء الكونجرس، في تصريحات صحفية، أن إدارة ترامب تدرك تمامًا تعقيدات الوضع وتفاصيل المواقف الأوروبية والروسية، كما أنها كانت على تواصل دائم مع الجانب الأوكراني خلال الأشهر الستة الماضية، ما يمنحها قدرة حقيقية على التفاوض بفاعلية.
ويعتقد هؤلاء أن تسريع عقد القمة يخدم مصالح الأمن الدولي ويُمهّد لإنهاء نزاع أودى بحياة الآلاف وأعاق استقرار أوروبا والعالم، وأن التوصل إلى تسوية في أوكرانيا قد يفتح الباب أمام سلسلة تسويات لأزمات أخرى، لا سيما في الشرق