عاجل

ما الذي يدفع أوروبا للاعتراف بالدولة الفلسطينية في هذا التوقيت؟ |خاص

الاعتراف الأوروبي
الاعتراف الأوروبي بدولة فلسطين

قالت الدكتورة نيفين وهدان، أستاذة العلوم السياسية، إن التحول الأوروبي الأخير تجاه الاعتراف بالدولة الفلسطينية يمثل تحولًا استراتيجيًا جوهريًا، وتصحيحًا تاريخيًا لمظلمة عمرها أكثر من قرن. 

وأكدت الدكتورة نيفين وهدان في تصريح خاص لموقع "نيوز رووم"،  أن هذا الموقف يكتسب أهمية خاصة في ظل تصاعد الكارثة الإنسانية في قطاع غزة، وتآكل مصداقية المجتمع الدولي أمام المجازر والانتهاكات التي تمارسها إسرائيل بحق المدنيين.

وأوضحت وهدان أن إعلان دول مثل فرنسا، إسبانيا، أيرلندا، بلجيكا، والنرويج عن اعترافها الرسمي بدولة فلسطين، إلى جانب التصريحات البريطانية التي تمهد لاعتراف رسمي "عندما تتوفر الظروف السياسية"، لا يُعد فقط موقفًا أخلاقيًا وإنسانيًا، بل تحركًا استراتيجيًا يعيد الاعتبار للشرعية الدولية، ويُصحّح تشوهًا تاريخيًا ارتبط بوعد بلفور عام 1917، الذي شكل بداية نكبة الشعب الفلسطيني.

الاعتراف الأوروبي بالدولة الفلسطينية
الاعتراف الأوروبي بالدولة الفلسطينية

د. نيفين وهدان: بريطانيا أمام لحظة سياسية وتاريخية لمراجعة إرث بلفور

وأضافت أن بريطانيا، بوصفها الطرف الذي احتضن ذلك الوعد، تجد نفسها اليوم أمام لحظة سياسية وتاريخية لمراجعة إرثها في هذه القضية، مشيرة إلى أن الاعتراف المرتقب من لندن لا يمكن فصله عن السياق الرمزي والسياسي المتراكم، ولا عن الضغوط المتزايدة داخل حزب العمال ومجلس العموم البريطاني، فضلًا عن الأصوات الأكاديمية والإعلامية التي تدعو إلى تصحيح هذا المسار التاريخي الخاطئ.

وأشارت إلى أن هذا الاعتراف الأوروبي لا يأتي بمعزل عن ضغط الشارع والبرلمانات الوطنية، التي لم تعد تقبل بالتماهي مع سياسات القتل الجماعي والحصار والتجويع. وأكدت أن التقارير الأممية التي توثق الانهيار الإنساني الشامل في غزة، ودمار البنية التحتية، دفعت هذه الدول إلى التحرك بموجب التزاماتها القانونية بموجب اتفاقيات جنيف والنظام الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية، مشددة على أن هذا الاعتراف يُعد أيضًا رفضًا للتواطؤ مع جريمة مستمرة، خاصة في ظل تجاهل إسرائيل لأوامر محكمة العدل الدولية وتهميشها للمنظمات الإنسانية.

وفي الجانب السياسي، رأت وهدان أن هذا الاعتراف الأوروبي يوجه رسالة واضحة بأن الولايات المتحدة لم تعد الطرف الوحيد القادر على رسم معالم العملية السياسية، مضيفة أن أوروبا، التي شعرت بالإحراج من الغياب الأمريكي عن مؤتمر نيويورك الذي رعته فرنسا والسعودية بمشاركة أكثر من 140 دولة، بدأت تعيد التموضع لتأكيد دورها المستقل كشريك في صياغة الحل النهائي. 

وتابعت أستاذة العلوم السياسية إلى أن بريطانيا تمثل "بيضة القبان"، وإذا انضمت رسميًا لموجة الاعترافات، فإن ذلك سيشكل نقطة تحول جوهرية في مسار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بالنظر إلى وزنها القانوني والتاريخي.

ولفتت إلى أن الاعتراف بدولة فلسطين على حدود 1967، واعتبار القدس الشرقية عاصمة لها، يُعد تطبيقًا لمبدأ "عدم جواز الاستيلاء على الأرض بالقوة"، وهو مبدأ ثابت في القانون الدولي ومكرّس في قرارات مجلس الأمن، لا سيما القرارين 242 و338، إضافة إلى القرار 2334 الذي أدان الاستيطان الإسرائيلي واعتبره غير شرعي. 

وأردفت أن الاعتراف الأوروبي يعزز من التوازن الدولي في المحافل الأممية، ويوفر للفلسطينيين أدوات قانونية أقوى في مواجهة الاحتلال، خاصة مع جدية التوجه نحو محاسبة إسرائيل على جريمة الإبادة الجماعية أمام المحكمة الجنائية الدولية.

الدكتورة نيفين وهدان، أستاذة العلوم السياسية
الدكتورة نيفين وهدان، أستاذة العلوم السياسية

وأكدت الدكتورة نيفين وهدان على أن التحول البريطاني المحتمل لا يخلو من مصلحة استراتيجية، إذ تسعى لندن – بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي إلى إعادة بناء دور عالمي متوازن ومستقل، والابتعاد عن السياسات الأمريكية الأحادية التي أضرت بصورة الغرب عمومًا. 

وأشارت إلى أن الرأي العام داخل بريطانيا لم يعد يقبل بالدعم غير المشروط لإسرائيل، خاصة بعد أن وثّقت منظمات حقوقية كبرى مثل العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش ممارسات الاحتلال بوصفها "نظام فصل عنصري" و"عقاب جماعي".

واعتبرت وهدان أن هذه الاعترافات الأوروبية، وفي مقدمتها الدور البريطاني المرتقب، لا تمثل فقط خطوة تصحيحية لمسار تاريخي استعمار طويل، بل تُعد محاولة جادة لإعادة مركزية القانون الدولي في حل النزاعات الدولية، وتأكيد أن أمن الشرق الأوسط لا يمكن أن يُبنى على أنقاض حقوق الفلسطينيين. وأكدت أن هذا التحول يمثل بُعدًا قانونيًا وأخلاقيًا واستراتيجيًا يُمهّد لتحرك دولي جامع، يستند إلى مبادئ العدالة، لا إلى منطق الهيمنة.

تم نسخ الرابط