سفير القرآن وقارئ الملائكة.. ذكرى رحيل الشيخ محمود علي البنا

تحلّ علينا اليوم 20 يوليو ذكرى رحيل أحد أعلام تلاوة القرآن الكريم في العالم الإسلامي، الشيخ محمود علي البنا، الذي ترك بصمة خالدة في قلوب محبيه، وفي ذاكرة دولة التلاوة القرآنية بصوته الندي وأدائه المتميز. حيث ينتمي "البنا" إلى جيل القرّاء العظماء الذين حملوا القرآن الكريم على أكتافهم، وبلّغوه للناس بأسلوب يلامس الأرواح ويحيي القلوب.
وفي هذه الذكرى المباركة، نسترجع سيرته العطرة، ونستحضر ملامح رحلته القرآنية التي بدأت منذ نعومة أظفاره، حتى صار من كبار القرّاء في مصر والعالم، وأحد الأصوات التي لا تُنسى. فذكراه لا تزال حية في إذاعات القرآن الكريم، وفي المحافل الدينية، حيث تتردد تلاواته الخاشعة التي تنفذ إلى القلب، وكأنها دعاء صادق أو نفحة من نور.

نشأة الشيخ محمود علي البنا
وُلد الشيخ محمود علي البنا في قرية شبرا باص التابعة لمركز شبين الكوم بمحافظة المنوفية. حفظ القرآن الكريم في كُتّاب قريته على يد الشيخ موسى المنطاش، وتمكّن من إتمام الحفظ وهو في الحادية عشرة من عمره. بعدها، انتقل إلى مدينة طنطا ليتعمق في دراسة العلوم الشرعية داخل الجامع الأحمدي، حيث تلقّى علم القراءات على يد الإمام إبراهيم بن سلام المالكي.
مسيرة البنا مع القرآن
وفي عام 1945، شدّ الشيخ البنا الرحال إلى القاهرة، وهناك بدأ اسمه يسطع في سماء التلاوة. تتلمذ على يد الشيخ درويش الحريري، أحد أعلام علم المقامات الصوتية. وفي عام 1947، وقع عليه اختيار جمعية الشبان المسلمين ليكون قارئًا رسميًا لها، فكان يفتتح مناسباتها واحتفالاتها بصوته الندي. وفي العام التالي، استمع إليه علي ماهر باشا والأمير عبد الكريم الخطابي وعدد من كبار الشخصيات خلال إحدى المناسبات، وأوصوا بانضمامه إلى الإذاعة المصرية. وبالفعل، التحق بها عام 1948، وكانت أول تلاوة له على الهواء من سورة هود في شهر ديسمبر من نفس العام، وسرعان ما أصبح من أعلام القراء في مصر.
انضمام البنا للإذاعة
في الثانية والعشرين من عمره، اعتمدته الإذاعة المصرية قارئًا رسميًا، فأصبح صوته يأسر القلوب، وارتبط اسمه بالسكينة التي كانت تسكن الليالي حين يتلو كتاب الله. لم يكن يمر عليه فجر دون أن يصاحبه، وكان يرى في هذا الوقت ميقاتًا للملائكة، يقرأ لهم ولو نصحه أبناؤه بالنوم.
وحين دُعي لأول مرة للقراءة في الحرم النبوي، صمت صوته فجأة، وكأن روحه أدركت أن المقام يحتاج إلى إذن خاص. فذهب إلى الروضة الشريفة، وسلّم على النبي واستأذنه، ثم قرأ في اليوم التالي، فإذا بالقلوب تخشع، والدموع تنهمر.
ارتبط صوت الشيخ البنا بأشهر مساجد مصر، من عين الحياة إلى الرفاعي، ومن الجامع الأحمدي إلى مسجد الإمام الحسين، كما صدح في الحرمين الشريفين، والمسجد الأقصى، والمسجد الأموي. وطاف بدول العالم ناشرًا رسالة القرآن، يحمل في صوته عبق السماء وروح الخشوع.