يحرص عليها وزير الأوقاف.. ما حكم مجالس الذكر الجماعي والصلاة على النبي؟

بعد كل صلاة جمعة من كل أسبوع يحرص الدكتور أسامة الأزهري وزير الأوقاف على إقامة مجالس الذكر الجماعي لذكر الله والصلاة على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ومن هنا يتساءل البعض حول مشروعية مجالس الذكر الجماعي وحكم الشرع الشريف منها.
مجالس الذكر الجماعي والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم من العبادات المشروعة؛ سواء في المساجد أو في غيرها، وتبديعُها لا يعدو أن يكون نوعًا مِن البدعة؛ لأنه تضييقٌ لِمَا وسَّعه الشرع الشريف؛ حيث إن الأمر بالذكر والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد ورد في النصوص الشرعية على جهة الإطلاق والعموم، فكان الأمر في ذلك واسع، وكان القولُ ببدعية هذه المجالس تضييقًا لما وسعه الشرع، ومخالف للكتاب والسنة وهدي السلف الصالح، إلا أنه يجب مراعاة النظام وأخذ موافقة القائمين على المساجد؛ حتى يتم ذلك بشكلٍ منظمٍ لا تشويشَ فيه على المصلين والذاكرين وقُرَّاء كتاب الله تعالى.
ما حكم إقامة مجالس الذكر الجماعي؟
وتقول دار الإفتاء إن إقامةُ مَجالسِ الذِّكرِ وانتِدَابُ الناس للاجتماع إليها أمرٌ مشروعٌ في الإسلام، وبذلك جاءت نصوص الوحي من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة، وجرى على ذلك عمل الأمة سلفًا وخلفًا؛ فمِن الآيات التي دلَّت على ذلك قوله تعالى: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾ [البقرة: 152]، وقوله تعالى: ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا﴾ [البقرة: 200]، وقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ﴾ [آل عمران: 191]، وقوله تعالى: ﴿وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيرًا﴾ [الحج: 40]، وقوله تعالى: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ۞ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ﴾ [النور: 36-37]، وقوله تعالى: ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيرًا﴾ [الشعراء: 227]، وقوله تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الجمعة: 10].
ما ورد في السنة النبوية باستحباب إقامة مجالس الذكر
من الأحاديث التي صَرَّحت باستحباب إقامة هذه المجالس وحضورها والمداومة عليها، ورغبت فيها وعظمت مِن شأنها وبركاتها وفضائلها وثوابها الجزيل عند الله تعالى: فعن أنسٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا مَرَرْتُمْ بِرِيَاضِ الجَنَّةِ فَارْتَعُوا» قالوا: وما رياض الجنة؟ قال: «حِلَقُ الذِّكْرِ» أخرجه الترمذي في "سننه" وحَسَّنه، والإمام أحمد في "مسنده".
وعن ابن عمرو رضي الله عنهما قال: قلت: يا رسول الله، ما غَنِيمَةُ مَجالِسِ الذكر؟ قال: «غَنِيمَةُ مَجَالِسِ الذِّكْرِ الْجَنَّةُ الْجَنَّةُ» أخرجه الإمام أحمد في "مسنده"، قال الحافظ الهيثمي في "مجمع الزوائد"[إسناده حسن] .
وعن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ للهِ عَزَّ وَجَلَّ سَرَايَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ تَقِفُ وَتَحُلُّ عَلَى مَجَالِسِ الذِّكْرِ، فَارْتَعُوا فِي رِيَاضِ الْجَنَّةِ»، قلنا: أين رياض الجنة يا رسول الله؟ قال: «مَجَالِسُ الذِّكْرِ، فَاغْدُوا وَرُوحُوا فِي ذَكْرِ اللهِ، وَذَكِّرُوهُ بِأَنْفُسِكُمْ، مَنْ كَانَ يُحِبُّ أَنْ يَعْلَمَ كَيْفَ مَنْزِلَتُهُ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلْيَنْظُرْ كَيْفَ مَنْزِلَةُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عِنْدَهُ، فَإِنَّ اللهَ يُنْزِلُ الْعَبْدَ حَيْثُ أَنْزَلَهُ مِنْ نَفْسِهِ» أخرجه البزار كما في " كشف الأستار عن زوائد البزار)، وأبو يعلى في "مسنده" )، والطبراني في "المعجم الأوسطوالحاكم في "المستدر، وقال: [هذا حديث حسن، رواه جعفر الفريابي في كتاب الذكر له عن سليمان فوافقناه فيه بعلو، ورواه مسدد في "مسنده" عن بشر بن المفضل عن مولى غفرة فوقع لنا بدلًا له عاليًا، وهو عند عبد في "مسنده" عن حبان بن هلال، وأبي يعلى في "مسنده" عن عبيد الله القواريري، والبزار في "مسنده" عن محمد بن عبد الملك، والطبراني في "الأوسط" من حديث أبي عمر الضرير، والحاكم في "الدعاء" من "مستدركه" من حديث مسدد خمستهم عن بشر بن المفضل، وابن منيع في "مسنده" من حديث إسماعيل بن عياش كلاهما عن مولى غفرة فوقع لنا عاليًا على أكثرهم، وقال الطبراني: إنه لا يروى عن جابر رضي الله عنه إلا بهذا الإسناد تفرد به عمر. وكذا قال البزار، وزاد: ولا روى أيوب عن جابر رضي الله عنه غيره، وقال الحاكم: إنه صحيح الإسناد].
وأخرج الحاكم في "المستدرك" من طريق إسماعيل بن عياش عن راشد بن داود عن يعلى بن شداد، قال: حدثني أبي شداد بن أوس، وعبادة بن الصامت حاضرٌ يُصدِّقه، قال: إنا لَعِند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذْ قال: «هَلْ فِيكُمْ غَرِيبٌ؟» يعني أهلَ الكتاب، قلنا: لا يا رسول الله، فأمر بغَلْق الباب، فقال: «ارْفَعُوا أَيْدِيكُمْ فَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ» فرفعنا أيديَنا ساعةً، ثم وضع رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم يده، ثم قال: «الْحَمْدُ للهِ، اللَّهُمَّ إِنَّكَ بَعَثْتَنِي بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ، وَأَمَرَتْنِي بِهَا، وَوَعَدْتَنِي عَلَيْهَا الْجَنَّةَ، إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ» ثم قال: «أَبْشِرُوا؛ فَإِنَّ اللهَ قَدْ غَفَرَ لَكُمْ» قال الحاكم: حالُ إسماعيلَ بن عيَّاش يقرُب من الحديث قبل هذا؛ فإنه أحد أئمة أهل الشام، وقد نُسِب إلى سوء الحفظ، وأنا على شرْطي في أمثاله.
وإسماعيل بن عياش قال فيه ابن المديني؛ كما في "سؤالات ابن أبي شيبة" لابن المديني : [كان يُوثَّق فيما روى عن أصحابه أهل الشام] اهـ. وقد روى إسماعيل بن عياش هذا الحديث عن راشد بن داود، وهو شاميٌّ.
وأخرج الطبراني عن عمرو بن عبسة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ -وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ- رِجَالٌ لَيْسُوا بِأَنْبِيَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ، يَغْشَى بَيَاضُ وُجُوهِهِمْ نَظَرُ النَّاظِرِينَ، يَغْبِطُهُمُ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ بِمَقْعَدِهِمْ وَقُرْبِهِمْ مِنَ اللهِ»، قيل: يا رسول الله، من هم؟ قال: «هُمْ جِمَاعٌ مِنْ نَوَازِعِ الْقَبَائِلِ، يَجْتَمِعُونَ عَلَى ذِكْرِ اللهِ، فَيَنْتَقُونَ أَطَايِبَ الْكَلَامِ كَمَا يَنْتَقِي آكِلُ التَّمْرِ أَطَايِبَهُ»، أخرجه الطبراني كما في "الترغيب والترهيب" و"مجمع الزوائد" قال الحافظ المنذري في "الترغيب والترهيب" [رواه الطبراني، وإسناده مقارب لا بأس به] اهـ. وقال الحافظ الهيثمي في "مجمع الزوائد ومنبع الفوائد" (10/ 77): [رواه الطبراني، ورجاله موثقون].
وأخرج الطبراني عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَيَبْعَثَنَّ اللهُ أَقْوَامًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي وُجُوهِهِمُ النُّورُ، عَلَى مَنَابِرِ اللُّؤْلُؤِ، يَغْبِطُهُمُ النَّاسُ، لَيْسُوا بِأَنْبِيَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ»، قال: فجثا أعرابي على ركبتيه فقال: يا رسول الله، حَلِّهم لنا نعرفْهم، قال: «هُمُ الْمُتَحَابُّونَ فِي اللهِ، مِنْ قَبَائِلَ شَتَّى، وَبِلَادٍ شَتَّى، يَجْتَمِعُونَ عَلَى ذِكْرِ اللهِ يَذْكُرُونَهُ». قال الهيثمي في "مجمع الزوائد ومنبع الفوائد" (10/ 77): [رواه الطبراني، وإسناده حسن].
وأخرج الحاكم في "المستدرك" وأبو نعيم الأصفهاني في "حلية الأولياء وطبقات الأصفياء" (1/ 342، ط. السعادة) عن سلمان الفارسي رضي الله عنه، قال: كان سلمان في عصابة يذكرون الله فمرَّ بهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فجاءهم قاصدًا حتى دنا منهم فكفُّوا عن الحديث إعظامًا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: «مَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ؟ فَإِنِّي رَأَيْتُ الرَّحْمَةَ تَنْزِلُ عَلَيْكُمْ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أُشَارِكَكُمْ فِيهَا»، قال الحاكم: هذا حديث صحيح ولم يخرجاه، وقد احتجا بجعفر بن سليمان، فأما أبو سلمة سيار بن حاتم الزاهد، فإنه عابد عصره وقد أكثر أحمد بن حنبل الرواية عنه، وقال الذهبي: صحيح.
وأخرج البزار في "مسنده" عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ للهِ سَيَّارَةً مِنَ الْمَلائِكَةِ يَطْلُبُونَ حِلَقَ الذِّكْرِ، فَإِذَا أَتَوْا عَلَيْهِمْ حَفُّوا بِهِمْ ثُمَّ بَعَثُوا رَائِدَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ إِلَى رَبِّ الْعِزَّةِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا أَتَيْنَا عَلَى عِبَادٍ مِنْ عِبَادِكَ يُعَظِّمُونَ آلاءَكَ وَيَتْلُونَ كِتَابَكَ وَيُصَلُّونَ عَلَى نَبِيِّكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَيَسْأَلُونَكَ لِآخِرَتِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، فَيَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: غَشُّوهُمْ رَحْمَتِي، فَيَقُولُونَ: يَا رَبِّ، إِنَّ فِيهِمْ فُلَانًا الْخَطَّاء؛ إِنَّمَا أَعْتَقْنَاهُمْ إِعْتَاقًا، فَيَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: غَشُّوهُمْ رَحْمَتِي؛ فَهُمُ الْجُلَسَاءُ لا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ»، قال الحافظ الهيثمي في "مجمع الزوائد ومنبع الفوائد" : [رواه البزار من طريق زائدة بن أبي الرقاد، عن زياد النميري، وكلاهما وثق على ضعفه، فعدا هذا إسناده حسن].
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (11/ 212، ط. دار المعرفة): [ويؤخذ من مجموع هذه الطرق المرادَ بمجالس الذكر، وأنها التي تشتمل على ذكر الله بأنواع الذكر الواردة من تسبيح وتكبير وغيرهما وعلى تلاوة كتاب الله سبحانه وتعالى وعلى الدعاء بخيري الدنيا والآخرة، وفي دخول قراءة الحديث النبوي ومدارسة العلم الشرعي ومذاكرته والاجتماع على صلاة النافلة في هذه المجالس نظر، والأشبه اختصاص ذلك بمجالس التسبيح والتكبير ونحوهما والتلاوة فحسب، وإن كانت قراءة الحديث ومدارسة العلم والمناظرة فيه من جملة ما يدخل تحت مسمى ذكر الله تعالى].
وقال الشيخ إسماعيل حقي في "روح البيان" (3/ 352، ط. دار الفكر): [قال في "أنوار المشارق": وكما يستحب الذكر يستحب الجلوس في حِلَق أهله، والعادة جرت في حِلَق الذكر بالعلانية؛ إذ لم يعرف في كرِّ الدهور حلقة ذكر اجتمع عليها قوم ذاكرون في أنفسهم، فالذكر برفع الصوت أشد تأثيرًا في قمع الخواطر الراسخة على قلب المبتدي، وأيضًا يغتنم الناس بإظهار الدين بركة الذكر من السامعين في الدور والبيوت، ويشهد له يوم القيامة كل رطب ويابس سمع صوته خصوصًا في مواضع الازدحام بين الغافلين من العوام لتنبيه الغافلين وتوفيق الفاسقين، وفي بعض الفتاوى: لو ذكر الله في مجلس الفسق ناويًا أنهم يشتغلون بالفسق وأنا أشتغل بالذكر فهو أفضل؛ كالذكر في السوق أفضل من الذكر في غيره، وحضور مجلس الذكر يُكَفِّر سبعين مجلسًا من مجالس السوء].
وقال العلامة ابن عابدين الحنفي في "حاشيته على الدر المختار" (6/ 398، ط. دار الفكر): [وقد شبَّه الإمام الغزالي ذكر الإنسان وحده وذكر الجماعة بأذان المنفرد وأذان الجماعة؛ قال: فكما أن أصوات المؤذنين جماعة تقطع جِرْمَ الهواء أكثرَ من صوت المؤذن الواحد كذلك ذكر الجماعة على قلبٍ واحد أكثر تأثيرًا في رفع الحجب الكثيفة من ذكر شخصٍ واحد].
وقال الإمام الطحطاوي في "حاشيته على مراقي الفلاح" (ص: 318، ط. دار الكتب العلمية): [ونصُّ الشعراني في ذكر الذاكر للمذكور والشاكر للمشكور ما لفظه: وأجمع العلماء سلفًا وخلفًا على استحباب ذكر الله تعالى جماعة في المساجد وغيرها من غير نكير، إلا أن يشوش جهرهم بالذكر على نائمٍ أو مُصَلٍّ أو قارئِ قرآنٍ؛ كما هو مقرر في كتب الفقه. وفي "الحلبي": الأفضل الجهر بالقراءة إن لم يكن عند قوم مشغولين، ما لم يخالطه رياء. اهـ].
وقال العلامة الألوسي في "روح المعاني" [والذي نص عليه الإمام النووي في "فتاويه" أنَّ الجهر بالذكر حيث لا محذور شرعيًّا مشروع مندوب إليه، بل هو أفضل من الإخفاء في مذهب الإمام الشافعي، وهو ظاهر مذهب الإمام أحمد وإحدى الروايتين عن الإمام مالك بنقل الحافظ ابن حجر في "فتح الباري"] اهـ.
ومجالس الصلاة على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على وجه الخصوص سنةٌ محمودةٌ جرت عليها الأمة جيلًا بعد جيل، ورآها علماء الأمة ومجتهدوها وحضروها ودافعوا عمَّن أقامها ونالوا الكثير من خيراتها وبركاتها، ومنهم الإمام نور الدين علي الشوني المحيوي الشافعي [ت944هـ]؛ قال عنه الإمام الشعراني رضي الله عنه في "لوافح الأنوار في طبقات الأخيار" [شيخ الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالجامع الأزهر] اهـ. وقال: [شيخي ووالدي وقدوتي الشيخ نور الدين الشوني رضي الله تعالى عنه … انتقل إلى مقام سيدي أحمد البدوي رضي الله عنه، وأنشأ فيه مجلس الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو شاب أمرد فاجتمع في ذلك المجلس خلقٌ كثير، وكانوا يجلسون فيه من بعد صلاة المغرب ليلة الجمعة إلى أن يسلم على المنارة لصلاة الجمعة، وأنشأ في الجامع الأزهر مجلس الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في عام سبع وتسعين وثمانمائة، وكان رضي الله عنه يقوم مِن التربة كل ليلة جمعة إلى الأزهر] .
وقال عنه الشيخ نجم الدين الغزي في "الكواكب السائرة بأعيان المائة العاشرة[عليٌّ الشيخ الصالح، المُجْمَع على جلالته وصلاحه نور الدين الشوني الشافعي: أول مَن عمل طريقة المَحْيَا في الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمصر، وهو شيخ هذه الطريقة في مصر ونواحيها، ومكة والقدس، ودمشق وسائر البلاد، ولد في قرية بالغربية، يقال: لها شون بناحية طندتا بلد سيدي أحمد البدوي، ونشأ في الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو صغير ببلده، وكان إذا سرح بالبهائم يعطي غداءه للصغار، ويقول: تعالوا صلوا معي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وكان يتردد إلى الأزهر للصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فاجتمع عليه خلقٌ كثير، واعتقله مماليك السلطان قايتباي، فانحصر منه المجاورون بالأزهر، وسَعَوْا في إبطال المجلس واستفتوا في ذلك البرهان بن أبي شريف، فمزق رقعة الفتيا، وانتقدوا عليه كثرة الشموع والقناديل التي توقد في المجلس، وقالوا: هذا فعل المجوس، وأفتى البرهان المذكور بأنه ما دام النور يزيد بزيادة الشموع والقناديل فهو جائز، ولا يَحرم إلَّا إذا وصل إلى حدٍّ لا يزداد الضوء به، وممن انتصر له الشيخ شهاب الدين القسطلاني، وصنف كتابًا في الرد على مَن أنكر على مجلس الشوني، وحث على حضور المجلس، وصار يحضره، ولما كتب شرحه على "البخاري" كان يأتي قُرْبَهُ، فيضعه وسط الحلقة إلى الصباح رجاء القبول. ولا شك ولا ريب أن هذا الرجل مِن مشاهير الأولياء والصالحين، ومجلس الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي ابتكره مِن المجالس التي تَلَقَّاها العلماء الأعلام بالقبول في أقطار الأرض، وأقاليم البلاد، وهو المجلس المعروف الآن بدمشق، وما والاها بالمَحْيا؛ لأنه إنما يعمل في الغالب ليلًا، فلَمَّا كان يجيء به الليل يسمى بالمَحْيَا، وأصل إنشائه مِن الشوني رحمه الله تعالى ثم خلفه الشيخ شهاب الدين البلقيني، والشيخ عبد الوهاب الشعراوي بالقاهرة] اهـ.
حكم إقامة حلقات الذكر الجماعي ومجالس الصلاة على سيدنا النبي عليه السلام بصوت مرتفع
قد ورد الأمر الشرعي بذِكر الله تعالى والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم مطلقًا، ومِن المقرر أن الأمر المطلق يستلزم عموم الأزمنة والأمكنة والأشخاص والأحوال؛ فالأمر فيه واسعٌ، وإذا شرع الله سبحانه وتعالى أمرًا على جهة الإطلاق وكان يحتمل في فعله وكيفية إيقاعه أكثر مِن وجهٍ فإنه يؤخذ على إطلاقه وسعته، ولا يصح تقييده بوجهٍ دون وجهٍ إلَّا بدليل.
فمِن أدلة الكتاب في الأمر بالذكر والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم على جهة الإطلاق؛ قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ [الأحزاب: 41-42]، فهذا خِطابٌ للمؤمنين يأمرهم بذكر الله تعالى، وامتثال الأمر حاصلٌ بالذكر مِن الجماعة كما هو حاصل بالذكر مِن الفرد، وقوله تعالى: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾ [الكهف: 28]، وامتثال الأمر بِمَعِيَّةِ الداعين لله يحصل بالمشاركة الجماعية في الدعاء، ويحصل بالتأمين عليه، ويحصل بمجرد الحضور، وقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56]، وهو أمرٌ عامٌّ للمؤمنين يحصل الامتثال به لهم إن فعلوه فرادى أو جماعاتٍ؛ على أي وجهٍ مِن الوجوه، والصلاةُ على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الأصل مِن فرائض الدين؛ قال الحافظ ابن عبد البر في "الاستذكار): [أجمع العلماء على أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فرضٌ على كل مؤمنٍ؛ لقوله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56]
وقال الإمام الباجي في "المنتقى شرح الموطأ" ): [وهذا الأمر لنا بالصلاة عليه لا يختص بمكانٍ ولا زمانٍ، هذا الذي ذهب إليه مالِكٌ. وقال ابن المواز: ذلك فريضة] اهـ.
ومِن السنة: ما رواه البخاري ومسلم مِن حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي، إِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَأٍ هُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً». قال العلامة ابن الجزري في "مفتاح الحصن الحصين": [فيه دليلٌ على جواز الجهر بالذكر، خِلافًا لِمَن منعه] .
وقال الحافظ السيوطي في "نتيجة الفكر في الجهر بالذكر" المطبوع ضمن "الحاوي للفتاوي: [والذِّكر في المَلَأِ لا يكون إلَّا عن جهر] ـ.
فتبيَّن مِن هذه الأدلة مشروعيةُ الجهر بالذكر، وأنها ثابتةٌ بالكتاب والسنة وعمل الأمة سلفًا وخلفًا، وقد صَنَّفَ جماعةٌ مِن العلماء في إثبات مشروعية ذلك؛ كالإمام الحافظ السيوطي في رسالته "نتيجة الفكر في الجهر بالذكر"، والإمام أبي الحسنات اللكنوي في كتابه "ساحة الفكر في الجهر بالذكر" وغيرهما.
وقد ساق الحافظ السيوطي في رسالته هذه خمسةً وعشرين حديثًا تدل على مشروعية الجهر بالذكر، ثم قال عقبها محققًا الكلام في ذلك: [إذا تأملت ما أوردنا مِن الأحاديث عرفت مِن مجموعها أنه لا كراهة البتة في الجهر بالذكر، بل فيه ما يدل على استحبابه؛ إما صريحًا أو التزامًا كما أشرنا إليه، وأما معارضته بحديث: «خيرُ الذِّكْرِ الخَفِيُّ»، فهو نظير معارضة أحاديث الجهر بالقرآن بحديث المُسِرِّ بالقرآن كالمُسِرِّ بالصدقة، وقد جمع النووي بينهما: بأن الإخفاء أفضل حيث خاف الرياء أو تأذى به مُصَلُّون أو نِيام، والجهر أفضل في غير ذلك؛ لأن العمل فيه أكثر؛ ولأن فائدته تَتَعَدَّى إلى السامعين؛ ولأنه يُوقِظُ قَلْبَ القارئ، ويَجمَع هَمَّه إلى الفكر، ويَصرف سَمعه إليه، ويَطرد النوم، ويَزيد في النشاط. وقال بعضهم: يُستَحَبُّ الجهر ببعض القراءة والإسرار ببعضها؛ لأن المُسِرَّ قد يَمَلُّ فيأنس بالجهر، والجاهر قد يَكِلُّ فيستريح بالإسرار. اهـ. وكذلك نَقول في الذكر على هذا التفصيل، وبه يحصل الجَمع بين الأحاديث] .
ومِن خصوص ما جاء في السنة مِن الجهر بالذكر جماعةً: ما جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في التكبير في العيدين؛ فعن الحسن بن عليٍّ رضي الله عنهما قال: "أمرَنا رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نلبس أجود ما نَجِد، وأن نَتَطَيَّب بأجود ما نَجِد، وأن نُضَحِّي بِأَسْمَنِ ما نَجِد، والبقرة عن سبعةٍ والجزور عن سبعةٍ، وأن نُظهِرَ التكبير وعلينا السكينة والوقار" رواه البخاري في "التاريخ"، والحاكم في "المستدرك"، والطبراني في "المعجم الكبير". قال الحاكم في "المستدرك" : [لولا جهالة إسحاق بن بزرج لَحَكَمْتُ للحديث بالصحة] اهـ. وقد تَعَقَّبَهُ ابن الملقن والحافظ ابن حجر وغيرهما بأنه ليس بمجهولٍ، بل وَثَّقَهُ ابن حبان.