عاجل

لطفي لبيب .. 30 عامًا من النجاح في قلب الدراما المصرية المتغيرة

لطفي لبيب
لطفي لبيب

رحل عن عالمنا منذ قليل، الفنان الكبير لطفي لبيب، عن عمر يناهز 77 عاماًً، بعد صراع مع المرض، حيث عانى من تدهور في حالته الصحية في الأيام الأخيرة، ودخل العناية المركزة أكثر من مرة.

وكان الفنان لطفي لبيب أحد الوجوه المألوفة والمحببة في الدراما المصرية، بفضل حضوره المميز، ونبرة صوته المألوفة، وملامحه التي تجمع بين الوقار وخفة الظل. لكنه لم يكن مجرد “ممثل مساعد” كما يظنه البعض، بل كان شاهدًا ومشاركًا فاعلًا في تحولات كبرى شهدتها الدراما المصرية منذ التسعينات وحتى اليوم، وهي رحلة فنية تكشف كيف يطوّع ممثل موهوب أدواته مع كل مرحلة دون أن يفقد هويته.

أدوار في الخلفية.. تسعينات ما بعد الكلاسيكية

وفي تسعينات القرن الماضي، كانت الدراما المصرية تمر بمرحلة انتقالية من النمط الكلاسيكي الذي اعتمد على النجم الأوحد وقصص الأسرة الممتدة، إلى أعمال أكثر واقعية واجتماعية. 

خلال هذه الفترة، ظهر الفنان لطفي لبيب كممثل “ثانوي” لكنه لافت، يجسد في الغالب أدوار الطبيب، الضابط، أو الموظف الوقور. أدواره كانت محدودة في الزمن لكنها مفتوحة في التأثير، حيث أضفى على تلك الشخصيات قدرًا من العمق الإنساني والصدق.

أعمال مثل “مسلسل المال والبنون” و“مسلسل هوانم جاردن سيتي” و“مسلسل زيزينيا”، أبرزت بداياته، رغم أن وجهه كان لا يزال جديدًا على الجمهور الواسع.

مطلع الألفينات: من المساندة إلى الذاكرة الجمعية

مع بداية الألفية الثالثة، شهدت الدراما تحولات لافتة، خاصة في تركيب الشخصيات وإيقاع السرد، هنا بدأ لطفي لبيب يحتل مساحة أكبر في الحضور، ليس من خلال البطولة المطلقة، بل عبر أدوار ذات طابع أيقوني. أصبح “الأب الطيب”، “المدير الفهيم”، أو “الجار الحكيم”، وهي أدوار رسمت له مكانة فريدة لدى الأسر المصرية.

كان ظهوره في مسلسلات مثل “أحلام عادية”، “الملك فاروق” و“الدالي” بمثابة توقيع شخصي في كل عمل. لم يكن مجرد ممثل يؤدي دورًا، بل ممثلًا يحمل خلفه خبرة المسرح، وجدية العسكري السابق، وثقافة الكاتب.

مرحلة النضج: دراما ما بعد الثورة والواقعية الجديدة

بعد 2011، ومع التغيرات الاجتماعية والسياسية في مصر، اتجهت الدراما المصرية إلى معالجة موضوعات أكثر جرأة، واستكشاف وجوه المجتمع بشكل غير نمطي. في هذه الموجة، لم يتراجع لطفي لبيب، بل تكيّف مع المرحلة، مقدّمًا أدوارًا أكثر رمزية وشاعرية. ففي “مسلسل سجن النسا” و“مسلسل طايع” و“مسلسل نيللي وشريهان”، لعب أدوارًا مركّبة تتجاوز حدود النمط، مثل الأب الذي يخفي سرًا كبيرًا، أو الشخصية التي تمثل صوت الحكمة وسط صخب الواقع، في هذه المرحلة، أصبح ظهوره، ولو في مشهدين، كافيًا لإضفاء مصداقية وجدانية على العمل.

المرض والتوقف.. ثم العودة الرمزية

في السنوات الأخيرة، وتحديدًا منذ 2020، ابتعد لطفي لبيب عن العمل لفترات طويلة بسبب ظروفه الصحية، حيث أعلن بنفسه إصابته بجلطة أثّرت على قدرته في الحركة. ورغم ذلك، لم يغب تمامًا عن الشاشة. بل تحوّل إلى رمز نادر الظهور، تُقابل مشاركته – ولو القصيرة – باحترام بالغ من الجمهور وصناع الدراما.

أدواره في “مسلسل رجالة البيت” و“مسلسل أحسن أب” عكست هذا الحضور الرمزي، وأثبتت أن الجمهور بات يتعامل معه بوصفه أيقونة لها حضورها الإنساني أكثر من كونه ممثلًا يؤدي دورًا تقنيًا.

منذ التسعينات وحتى اليوم، لم يكن لطفي لبيب مجرد ممثل “مخضرم”، بل كان جزءًا من التحوّلات الثقافية والبصرية التي عرفتها الدراما المصرية، وتغيرت الأجيال، وتبدلت أنماط الحكي، وظهرت منصات رقمية وأفكار جديدة، لكن لطفي لبيب ظل يحتفظ بمكانته كرمز للصدق والبساطة والاتزان.

وربما هذا ما يفسّر شغف الناس به حتى في غيابه: لطفي لبيب ليس نجمًا “مركزيا”، بل كان الظل الذي يمنح الضوء بُعدًا، والبصمة التي لا تُقلّد، ولا يمكن الاستغناء عنها في حكاية الدراما المصرية.

تم نسخ الرابط