عزت أبو علي لـ"نيوز رووم": العدوان على سوريا تمهيد لتفجير الجبهة اللبنانية

لم يعد خافيًا على أحد أن العدوان الإسرائيلي المتكرر على الأراضي السورية لم يكن أبدًا لحماية مكوّن ديني بعينه، سواء الطائفة الدرزية أو غيرها، بل هو جزء من مشروع أوسع يهدف إلى تفكيك ما تبقى من الحصون العربية، وعلى رأسها سوريا ولبنان، التي تُشكّل تاريخيًا جبهة الصمود بوجه الاحتلال.
ما جرى مؤخرًا من تصعيد عسكري إسرائيلي ضد الأراضي السورية ليس سوى استمرار لمخطط قديم يقوم على تفتيت سوريا إلى كيانات طائفية ومذهبية متصارعة، بما يخدم مصلحة إسرائيل ويديم أمنها الاستراتيجي، وهو ما تظهره بوضوح تحليلات الصحافة العبرية.
أكد المحلل السياسي اللبناني، عزت أبو علي، أن العدوان الإسرائيلي الأخير على سوريا ليس مرتبطًا بحماية طائفة أو مكوّن اجتماعي معين مثل الدروز، بل يأتي ضمن مخطط أوسع يستهدف تفتيت الجغرافيا السورية، وتفكيك نسيجها الوطني لصالح المشروع الصهيوني.

وأضاف المحلل السياسي اللبناني،في تصريح خاص لـ"نيوز رووم"، أن ما يحدث هو استمرار لسياسة التفتيت التي تنتهجها إسرائيل في المنطقة، بعد أن كانت سوريا إلى جانب لبنان آخر جبهتين حقيقيتين في وجه الاحتلال الإسرائيلي. مشيرًا إلى أن هذه الضربات لم تأتِ من فراغ، بل في سياق سعي إسرائيل لإضعاف الحصون المقاومة من أجل تثبيت وجودها وفرض شروطها على المنطقة.
سوريا الجديدة لا تعجب إسرائيل .. والسبب أحمد الشرع
وعن موقف إسرائيل من النظام السوري الحالي، قال عزت أبو علي: "على الرغم من محاولات البعض في سوريا الجديدة الدفع باتجاه الانفتاح، أو حتى التلميح إلى علاقات طبيعية مع الكيان الإسرائيلي، فإن الحقيقة التي تكشفها الصحافة العبرية هي أن إسرائيل لا تقبل إلا بسوريا ضعيفة، مقسّمة طائفيًا ومذهبيًا".
وأوضح أن "إسرائيل لم تتقبل وجود الرئيس أحمد الشرع، ولا أي شخصية وطنية تقود سوريا موحدة، لأن مشروعها الحقيقي يقوم على تقسيم سوريا إلى كيانات متناحرة، تُسهل التحكم فيها سياسيًا وأمنيًا".
أمان سوريا ينعكس مباشرة على لبنان
وفي هذا الصدد، أكد أبو علي، أن أمن سوريا مرتبط بشكل عضوي بأمن لبنان. وقال: "ما يجري في سوريا لن يبقى داخل حدودها. فكل تصعيد أو فوضى هناك سينعكس على لبنان، ليس فقط أمنيًا بل سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا". لكنه أبدى أسفه من غياب التوافق الداخلي في لبنان، حيث لا تزال بعض الأصوات الطائفية والمذهبية تحاول فصل المسار اللبناني عن السوري، رغم ترابط المصير بين البلدين.

إسرائيل و"الخطوط الحمراء".. من يرسمها ومن يخرقها؟
في حديثه عن "الخطوط الحمراء"، أشار عزت أبو علي، إلى أن ما نشهده من تجاوزات إسرائيلية على الأرض السورية، سواء عبر القصف الجوي أو التوغلات المحدودة، هو بموافقة أميركية ضمنية، معتبرًا أن هذا التجاوز يهدف إلى فرض أمر واقع جديد على الساحة السورية، يستبق أي تسوية سياسية قادمة.
وأشاد أبو علي في المقابل، بموقف المقاومة اللبنانية، التي أثبتت حسب تعبيره أنها "صاحبة قرار ردعي، وأنها جاهزة للدفاع عن لبنان وسوريا ضد أي اعتداء إسرائيلي قد يتجاوز الخطوط الحمراء التي رسمتها المقاومة بدماء شهدائها".
نتنياهو يستخدم الجبهات لتمديد بقائه السياسي
وحول دوافع التصعيد الإسرائيلي، أوضح أبو علي، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يسعى إلى إشعال جبهات متعددة في المنطقة من غزة إلى لبنان في محاولة لتأجيل المحاكمة الجنائية التي تنتظره، ولضمان الفوز في الانتخابات المقبلة للكنيست.
وأضاف: "هذه ليست مجرد حرب تكتيكية. نتنياهو يراهن على خلق حالة فوضى أمنية إقليمية شاملة، تُمكنه من التملص من أزماته القانونية والسياسية. وهو لا يجد إلا لبنان وسوريا كجبهات محتملة لتطبيق هذه الإستراتيجية، خاصة مع الدعم الأميركي المطلق له في هذه المرحلة".
المقاومة اللبنانية رممت قدراتها جيدًا
في تقييمه لقدرات المقاومة، أكد عزت أبو علي، أن ما حدث في الماضي كان دروسًا كبيرة. واليوم، بحسب قوله، "لم تعد المقاومة تعمل بردة فعل. بل استعدّت، ورمّمت قدراتها، وأعادت هيكلة منظومتها الدفاعية والهجومية".

وأضاف: "لبنان كذلك رمم داخله الوطني. هناك تنسيق بين مؤسسات الدولة والمقاومة. وهناك جهوزية في الشمال والجنوب، والكل يعلم أن العدوان المقبل إن وقع لن يمر كسابقاته. فهذه المرة المقاومة جاهزة بخيارات متقدمة".
اتفاق 1701 في خطر.. والخروق الإسرائيلية تتجاوز 4000
ذكّر أبو علي ،بالتزام لبنان بقرار مجلس الأمن رقم 1701، الصادر عام 2006، مشيرًا إلى أن لبنان حافظ على بنوده، بينما تواصل إسرائيل خرقه يوميًا.
وقال: "هناك أكثر من 4000 خرق إسرائيلي للأجواء والمياه والحدود اللبنانية، إضافة إلى استمرار احتلال خمسة مواقع في الجنوب. وهذا يُعد عدوانًا موصوفًا يستدعي موقفًا دوليًا صارمًا".
اللاجئون السوريون.. أزمة بين الأمن والاقتصاد
وعن أوضاع اللاجئين السوريين في لبنان.
أوضح المحلل السياسي، أن الأزمة ما زالت قائمة، رغم استقرار الأوضاع في الداخل السوري، قائلاً: "المخيمات التي امتلأت خلال عهد بشار الأسد، ما زالت قائمة، لا بسبب الأمان، بل لأسباب اقتصادية تتعلق بسعر العملة والمعيشة في سوريا مقارنة بلبنان".
وأضاف: "العديد من السوريين باتوا يعيشون في لبنان ضمن بيئة اقتصادية صعبة، لكن خيار العودة غير مطروح الآن بسبب التصعيد الإسرائيلي، خصوصًا في المناطق الحدودية بين لبنان وسوريا مثل القلمون وتنصير، حيث هناك تهديدات متزايدة للمخيمات".
هل يستطيع لبنان استقبال موجات جديدة من اللاجئين؟
طرح أبو علي، سؤالًا مهمًا خلال حديثه: ماذا لو اندلع عدوان إسرائيلي واسع على سوريا؟ هل يستطيع لبنان أن يتحمل عبء نزوح جديد؟.
وأجاب بوضوح: "الواقع لا يسمح بذلك. فلبنان يعاني من أزمة اقتصادية خانقة، وبنية تحتية متهالكة، ولا يمكنه استيعاب المزيد من اللاجئين. يجب أن يكون هناك دعم دولي وعربي حقيقي إذا حدث ذلك".
هل يتورط لبنان في الحرب دفاعًا عن سوريا؟
أجاب عزت أبو علي، بحسم: "لا. لبنان لا يستطيع أن يدخل الحرب لصالح أي طرف،نحن الدولة الأصغر من حيث الحجم والسكان والقدرات الاقتصادية والعسكرية. وحتى من ناحية الدعم العربي، لا نتلقى ما يكفي لمثل هذا السيناريو. لا بشار الأسد سابقًا دافع عنا، ولا النظام الجديد سيفعل".
لكنه أضاف أن الشعب اللبناني يقف دائمًا إلى جانب قضايا الأمة، خاصة فلسطين. "نحن نُقاوم لأننا أصحاب حق، لا لأن أحدًا طلب منا ذلك. لكننا في الوقت نفسه، لا نريد أن يُزج بنا في حروب لا طاقة لنا بها".
دروز لبنان وسوريا.. موقف مشرّف
في ختام حديثه، ثمن عزت أبو علي، موقف الطائفة الدرزية في كل من لبنان وسوريا، وقال: "لم تنجرّ الطائفة إلى مخطط التقسيم، رغم محاولات إسرائيل استخدامهم كأداة. الزعامة الدرزية كانت وطنية، حكيمة، رافضة للطائفية، داعية للوحدة القومية"، مؤكدا أن دروز لبنان جزء أصيل من المقاومة، وقدموا آلاف الشهداء دفاعًا عن السيادة والكرامة. "إنهم ليسوا طائفة معزولة، بل شركاء في الوطن، وفي خيار الصمود".