بعد أحداث السويداء.. ما مصير اتفاقية التطبيع بين سوريا وإسرائيل؟

في خضم المشهد السوري المتقلب بسبب أحداث محافظة السويداء، عاد الجنوب السوري إلى واجهة الصراع الإقليمي، مع تصعيد إسرائيلي مفاجئ استُخدم فيه شعار "حماية الدروز" كمبرر لتدخل عسكري مباشر داخل المحافظة السورية.
وتهدد هذه الخطوة، التي جاءت بعد أيام من محادثات غير معلنة بين النظام السوري وحكومة الاحتلال الإسرائيلي في العاصمة الأذربيجانية باكو، بنسف ما وُصف سابقًا بأنه بداية مسار تطبيعي غير معلن بين الطرفين.
فبينما رأت بعض العواصم في اللقاءات الأمنية الأخيرة بادرة لتفاهم محتمل، جاءت الغارات الإسرائيلية لتطرح تساؤلات حول نوايا تل أبيب، ومدى التزامها بأي مسار سياسي مع دمشق، خاصة بعد أن تجاوزت الخطاب السياسي إلى فرض وقائع ميدانية على الأرض.
تل أبيب وواشنطن.. التباين الظاهري والتنسيق العميق
رغم ما يظهر من انتقادات أمريكية للغارات الإسرائيلية، تؤكد مصادر مطلعة أن التنسيق الأمني بين الطرفين لم يتراجع، ففي الوقت الذي تدعو فيه واشنطن لضبط النفس وتجنب التصعيد، تستمر تل أبيب في تحركاتها العسكرية مدعومة بمظلة دبلوماسية غربية، الأمر الذي يعزز الانطباع بوجود تبادل أدوار بين الحليفين أكثر من وجود خلاف حقيقي.
لا تبدو الولايات المتحدة، التي كانت طرفًا غير مباشر في تفاهمات باكو، بعيدة عن ما يحدث في الجنوب السوري، بل يُنظر إليها كشريك في هندسة واقع سياسي وأمني جديد في سوريا، يعيد رسم النفوذ دون العودة إلى طاولة مفاوضات تقليدية.

"حماية الأقليات" كغطاء لفرض النفوذ الإسرائيلي على سوريا
تحاول إسرائيل في خطابها الرسمي أن تُظهر تدخلها في السويداء كموقف إنساني يهدف لحماية الطائفة الدرزية، إلا أن التحليلات تشير إلى أن هذه الخطوة تتجاوز البعد الطائفي، لتدخل في صلب مشروع إقليمي لتكريس الوجود الإسرائيلي جنوب سوريا، ومنع أي قوة سورية أو حليفة من تثبيت تمركز عسكري هناك.
ويقوم الرهان الإسرائيلي، بحسب مراقبين، على بناء نفوذ داخل مكونات المجتمع السوري عبر دعم بعض الأطراف، مع السعي لتوظيف ملف الأقليات كأداة سياسية تسمح لتل أبيب بالتدخل الميداني دون إثارة استياء دولي كبير.
دمشق بين التفاهمات والمناورة
يرى أمير مخول الخبير في الشأن الإسرائيلي في تصريحلات صحفية ، أنه بالنسبة للنظام السوري فإن الأزمة تضعه في موقع بالغ الحساسية، فبينما تسعى دمشق لتثبيت شرعيتها دوليًا، والبحث عن قنوات لتخفيف العزلة، تجد نفسها أمام مشهد يتقاطع فيه الأمن والسيادة، وسط ضغوط من قوى إقليمية ودولية.
وإن كانت دمشق قد دخلت في تفاهمات أمنية محدودة مع تل أبيب في وقت سابق، إلا أن تطورات السويداء قد تدفعها لإعادة النظر في مدى جدوى هذه المسارات، خاصة إذا ما أصبحت الغارات الإسرائيلية وسيلة ضغط لفرض شروط سياسية في مرحلة ما بعد الحرب.
تطبيع أمني لا سلام سياسي
تشير المؤشرات إلى أن ما يجري لا يهدف إلى الوصول لاتفاق سلام شامل، بقدر ما يسعى إلى تكريس نوع من "التطبيع الأمني" يسمح بتبادل الرسائل والتنسيق في ملفات محددة، دون الدخول في التزامات علنية، وهو ما يخدم الطرفين في الوقت الحالي.
وتستفيد تل أبيب من تثبيت خط نفوذها جنوب سوريا، ودمشق تحاول امتصاص الضغوط وتفادي مواجهة شاملة، مع الإبقاء على هامش المناورة السياسية والإعلامية، لتجنب اتهامات التخلي عن الثوابت الوطنية، وعلى رأسها ملف الجولان.
هل تنفجر المعادلة؟
تظهر تطورات السويداء الأخيرة أن الجنوب السوري لم يخرج من دائرة التجاذب، بل قد يتحول في أي لحظة إلى نقطة اشتعال إقليمي، خاصة إذا ما استمر التعارض بين مصالح الفاعلين الدوليين والإقليميين، وبينما تسعى بعض القوى لفرض واقع جديد في سوريا عبر القوة، تبدو فرص الحلول السياسية أكثر هشاشة من أي وقت مضى.