عاجل

أحمد حسام “ميدو” ليس ظاهرة رياضية، بل ظاهرة صوتية. اسم ضخم صُنع بضجيج متواصل، لا بنتائج ولا بمنجزات حقيقية. نجم لم يأخذ من أوروبا إلا المظهر، ولم يورّث للكرة المصرية إلا الوهم.

في الوقت الذي كان فيه اللاعب المصري ينتظر من سفرائه في الخارج أن يجلبوا لنا روح الاحتراف والانضباط، عاد ميدو محمّلًا بنقيض ذلك تمامًا: انفلات، تفاخر، استعراض، وتغليف كل فشل شخصي بشعار “الخبرة الأوروبية”.

أنفق ميدو في شبابه المبكر ملايين على سيارات فارهة، وعلامات أزياء، و”شو” مفتعل في الشوارع الأوروبية، بينما كان اللاعبون من حوله في سنّه يصعدون بثبات ويصنعون التاريخ مع أنديتهم ومنتخباتهم.

وبدل أن يتعلم من أياكس ومارسيليا وتوتنهام ثقافة البناء، تعلّم التحرر إلى حد التخبط. حتى الأوروبيون أنفسهم استهجنوا سلوكياته، واعتبروه استثناءً سلبيًا في منظومات تعرف كيف تدير الموهبة وتؤطرها. لم يكن غريبًا أن يصل به الحال إلى أن يكون أقل اللاعبين أجرًا في الدوري الإنجليزي، في سابقة نادرة للاعب بدأ مسيرته بتوقعات فلكية.

يرتدي ميدو دومًا عباءة المنقذ. يهبط على جماهير الزمالك بخطاب الإنقاذ، ويبيع لهم أحلامًا عن “المدرب الشاب الخبير” و”الإداري العصري” و”الزملكاوي ابن النادي”، وفي كل مرة يسقط، لا فقط بسوء النتائج، بل بضعف الرؤية، وغياب المشروع، وانفلات اللسان.

ومع ذلك، يظل الغريب حقًا أن ميدو هو أول من يصدّق ميدو. يعيد تقديم نفسه للجماهير والمسؤولين بنفس الثقة الزائفة، وكأن تاريخه خالٍ من الفشل، وكأن الجماهير بلا ذاكرة. هذه القدرة العجيبة على تجديد الثقة في الذات رغم السقوط المتكرر، لا تنبع من الثقة الحقيقية، بل من فهم ميدو العميق لطبيعة المشهد السطحي، وكيف تُصنع الهالات في غياب المحاسبة.

رغم كل الفرص التي حصل عليها، لم ينجح ميدو في تحديد هويته المهنية. هل هو لاعب سابق يتحدث من موقع التجربة؟ أم مدرب شاب يحمل مشروعًا؟ أم إعلامي يريد التأثير؟ أم إداري يبحث عن دور؟ تراه كل يوم في موقع، وبخطاب متناقض، لا يجمعه سوى سعي دائم إلى البقاء في الضوء. هذا التخبّط لم يضر ميدو وحده، بل ألحق الضرر بمؤسسات وثقت فيه، وجماهير تعلّقت به، وملف كامل اسمه “الاحتراف المصري في أوروبا” شُوّه بسبب سلوك فرد أراد أن يكون كل شيء… فلم يحقق شيئًا.

لم يحقق ميدو إنجازًا يُذكر كمدرب أو إداري. ولم يقدّم شيئًا كإعلامي سوى صوته المرتفع وتناقضه الصارخ. لا يمتلك مؤهلًا تدريبيًا عميقًا، ولا خلفية ثقافية متماسكة، ولا حتى خطابًا إعلاميًا محترفًا. هو “نجم شاشات” لا أكثر، يُتقن الفرقعة، ويتقن الهروب من الفشل بالتغريدة التالية.

الخطورة في قصة ميدو أنها تجاوزت حدود الفشل الفردي. لقد أصبح نموذجًا متكررًا يُغري كثيرًا من اللاعبين الشباب باعتقاد زائف: أن الشهرة وحدها تكفي، وأن الصوت العالي يغني عن التخطيط، وأن الظهور الإعلامي أهم من الإجادة الفعلية. وهكذا تسلل من تجربته خطاب مفسد، يُبرّر الفشل، ويُقدّس الفهلوة، ويُعلي من قيمة “البراند” على حساب “المنجز”. وهذا تحديدًا ما يجعل نقد ميدو ضرورة، ليس بغرض الهجوم، بل لحماية الأجيال القادمة من الوقوع في نفس الفخ.

دعونا نواجه الحقيقة كما هي: ميدو لا يستحق لقب “العالمي”. فالعالمية ليست اسم نادٍ لعبت فيه، ولا صورة في قميص فريق أوروبي. العالمية مشروع، مسيرة، أثر. وميدو لا يملك من كل ذلك شيئًا. لم يخلّف وراءه نجاحًا يُحتذى، ولا فكرة تُنقل، ولا مشروعًا يُبنى عليه.

ما تركه ميدو لنا هو صورة مشوشة عن الاحتراف، ورسالة خاطئة عن النجومية، وتجربة تؤكد أن الموهبة إذا لم تتكئ على العقل، فإنها تتحول إلى عبء.

ربما آن الأوان أن يتوقف ميدو عن خداع نفسه قبل الآخرين، أن ينظر في المرآة لا ليرى صورته، بل ليرى الحقيقة: أنه لم يُظلم، ولم يُحارب، ولم يُمنح أقل من حقه… بل ربما أخذ أكثر بكثير مما يستحق.

تم نسخ الرابط