بين إقامة الحد وضعف النفس.. ما الفرق بين كبائر وصغائر الذنوب؟

في ضوء اهتمام المؤسسات الدينية بتعزيز الوعي المجتمعي بالقيم الأخلاقية والتعاليم الإسلامية، يتجدد الحديث حول الفرق بين “صغائر الذنوب” و”كبائرها”، وهي مسألة شرعية ذات أهمية كبرى تتعلق بسلوك المسلم، وعلاقته بربه، وتحديد حجم التوبة اللازمة لكل نوع من المعاصي.
وبحسب ما تؤكده دار الإفتاء المصرية ومراجع الفقه الإسلامي، فإن الذنوب في الشريعة الإسلامية تنقسم إلى قسمين رئيسيين: كبائر وصغائر، والفارق بينهما لا يُبنى على رأي شخصي أو مشاعر داخلية، بل على نصوص من القرآن الكريم والسنة النبوية، إضافةً إلى ضوابط فقهية معروفة لدى العلماء.
تعريف الكبائر والصغائر
الكبائر هي: الذنوب التي ورد فيها وعيدٌ شديدٌ في القرآن أو السنة، سواء بلعن، أو غضب، أو وعيد بنار جهنم، أو إقامة حدٍّ شرعي في الدنيا.
ومن أمثلتها: الشرك بالله، الزنا، أكل الربا، عقوق الوالدين، شهادة الزور، أكل مال اليتيم، وقتل النفس بغير حق، والسحر، وغيرها من المعاصي التي تعد من الموبقات – كما ورد في حديث النبي ﷺ: «اجتنبوا السبع الموبقات» [رواه البخاري ومسلم].
أما الصغائر فهي: الذنوب التي لا يرد فيها وعيد شديد، ولا تستوجب حدًا دنيويًا، ولا يُلعن صاحبها، بل هي معاصٍ قد يقع فيها الإنسان بحكم ضعف النفس أو الغفلة، لكنها لا تصل إلى مرتبة الكبائر، مثل: النظرة المحرمة، أو الكلمة الجارحة، أو الكذب في غير حقوق الناس، بشرط ألا يتكرر الإصرار عليها.
ضوابط التفريق
ويوضح العلماء أن ما يُصنَّف “صغيرة” قد يتحول إلى “كبيرة” إذا اقترن بإصرار أو استهزاء. فمثلًا، من يُصرّ على ذنبٍ صغير دون توبة، يُخشى عليه أن يدخل في عداد مرتكبي الكبائر. كما أن بعض الذنوب وإن صغرت في ظاهرها، إلا أن أثرها الخطير في النفوس والمجتمعات قد يعظّمها عند الله.
وقد جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما: “ما من صغيرة إذا داوم العبد عليها إلا صارت كبيرة، ولا من كبيرة إذا استغفر العبد منها إلا صغرت”، مما يبرز البعد الروحي الذي لا ينفصل عن التوصيف الفقهي.
أثر التوبة
وعن التوبة، فإن الكبائر تحتاج إلى توبة خاصة صادقة، تتضمن: الندم على ما فات، والإقلاع عن الذنب، والعزم على عدم العودة، وردّ الحقوق إذا كانت المعصية متعلقة بالناس. أما الصغائر، فإنها تُكفَّر بأعمال الخير والطاعات، كما في الحديث الصحيح: «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن إذا اجتُنبت الكبائر» [رواه مسلم].
دعوة دينية متجددة
وتؤكد وزارة الأوقاف ومشيخة الأزهر في بيانات متفرقة أن على المسلم أن لا يتهاون في الذنوب، صغيرةً كانت أو كبيرة، فالتساهل قد يُضعف القلب ويُعمي البصيرة، كما أن الله عز وجل وصف عباده المتقين بأنهم “الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم” [النجم: ٣٢]، مشيرةً إلى أن “اللمم” هو ما يقع من الذنوب الصغيرة التي يُرجى أن تُمحى بالطاعة