تسجيل نادر .. خطبة لـ الشعراوي في يوم عرفة تكشف أسرار التلبية

في لحظة روحانية نادرة، بثّت قناة الناس تسجيلًا صوتيًا فريدًا للإمام الراحل الشيخ محمد متولي الشعراوي، لخطبة مؤثرة ألقاها في يوم عرفة، أبرز فيها المعاني القرآنية العميقة والتجليات الإيمانية التي تميز بها أسلوبه الفريد في الخطابة والتفسير، حيث تلامس كلماته القلوب وتوقظ الأرواح.
افتتاحية خاشعة تعانق السماء
بدأ الشيخ الشعراوي كلمته بخشوع يلامس الروح، فقال: "الله يُستعان إلا به، والحمد لله ولا حمد إلا له، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، أُذن الخير التي استقبلت آخر إرسال السماء لهدي الأرض، ولسان الصدق الذي أُرسل عن الحق مراده للخلق".
بهذه العبارات الإيمانية الرفيعة، هيّأ المستمعين لدخول عالم من التدبّر والتأمل في أسرار هذا اليوم العظيم، يوم الرحمة والغفران.
أسرار التلبية .. نداء التوحيد الخالد
ارتفع صوت الشعراوي بالتلبية بصوتٍ خاشعٍ قائلاً: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك"، ثم توقّف عند تفسير معناها الروحي، وقال: "فلا لبيك إلا لك... ولا تُقال إلا لك... لمن هذا الزحام؟ لمن هذا الاحتشاد؟ إنهم جميعاً يلبون دعوتك يا رب، دعوة إبراهيم التي أذنت بها، فلبّاها المؤمنون على مر الزمان".
أظهر الإمام من خلال كلماته أن التلبية ليست مجرد لفظ يُردّد، بل إعلان عميق للانقياد الكامل لله وحده، وأن هذا الحشد المهيب في عرفة هو استجابة خالصة لدعوة ربانية قديمة لا تزال تهز القلوب عبر العصور.
خصوصية عرفة .. الركن الأعظم
أولى الشيخ الشعراوي الوقوف بعرفة مكانة خاصة، حيث قال: "خصّ الله هذا الركن العظيم من أركان الحج بما لم يُخصّ به غيره، فجعله واجبًا لا يكون إلا بالحضور، رجالا وركبانًا من كل فج عميق... ترى الناس يتكاسلون في بعض الطاعات، لكنهم يتزاحمون على هذا الركن، كأن قلوبهم تسبقهم".
في هذه الكلمات، يبرز الشعراوي الفرق بين الطاعة المفروضة والطاعة المشتاقة، فالحج عامةً، وعرفة خاصةً، يشهدان اندفاع القلوب المؤمنة نحو رحاب الله دون كلل أو ملل.
دعاء شامل يمسّ القلوب
واختتم الإمام الشعراوي خطبته بدعاء مؤثر تنبع كلماته من عمق التضرّع، فقال: "اللهم يا رب كل شيء، بقدرتك على كل شيء، اغفر لنا ولهؤلاء جميعًا عن كل شيء، ولا تسألنا عن شيء، إنك دعوتنا لرحمتك، لا لتعذيبنا".
دعاء يجمع بين الرجاء والخوف، ويعكس عمق فهم الإمام لرحمة الله التي وسعت كل شيء، ويدعو المستمع لأن يلوذ بجلال الله في هذا اليوم الذي تنزل فيه الرحمات وتُغفر فيه الذنوب.
الشعراوي .. إرث صوتي خالد في القلوب
تعيد هذه الخطبة النادرة التذكير بمكانة الشعراوي كرمز ديني وفكري، استطاع بصوته ونبرته وخطابه أن يترجم المعاني القرآنية إلى واقع روحي نابض، وأن يحيي المعاني السامية لمناسك الحج، لا بالشكل الظاهري فقط، بل بجوهر الطاعة وصدق النية.
تأتي هذه المبادرة من قناة الناس كجهد إعلامي يستحق التقدير، حيث تواصل القناة إحياء تراث كبار العلماء، وإتاحة الفرصة للأجيال الجديدة لسماع أصوات ملهمة صنعت الوعي الإيماني، لا سيما في مواسم عظيمة كأيام الحج.

التلبية لا تُقال إلا لك
بهذا التسجيل النادر، تتجدد معاني التلبية في النفوس، لتصبح دعوة مفتوحة لكل مسلم، بأن يلبّي نداء الله، قلبًا وقالبًا، وأن يجعل من عرفة نقطة تحوّل في حياته نحو طاعة خالصة ومحبّة صادقة للخالق سبحانه وتعالى.