حرائق الغابات في كندا تعطل إنتاج النفط والأسواق تترقب التداعيات

في تطور جديد يعكس هشاشة قطاع الطاقة أمام الكوارث المناخية، تسببت حرائق الغابات المتسارعة في مقاطعة ألبرتا الكندية في وقف الإنتاج جزئيًا لدى بعض شركات النفط الكبرى، وسط مخاوف من اتساع نطاق الحرائق وتأثيرها على صادرات الدولة التي تُعد من أكبر منتجي النفط عالمياً.
وبحسب بيانات رسمية وتقارير إعلامية محلية، أوقفت شركة "سينوفوس إنرجي" (Cenovus Energy)، وهي إحدى كبريات شركات إنتاج الرمال النفطية، ما يقرب من 36,500 برميل يوميًا من البيتومين، بسبب تقدم الحرائق قرب منشآتها الصناعية، في حين أُجلي العاملون من بعض المواقع المعرضة للخطر.
رابع أكبر منتج للنفط
تمثل كندا رابع أكبر منتج للنفط في العالم، بإجمالي إنتاج يزيد على 4.5 مليون برميل يومياً. وتعتمد بشكل كبير على الرمال النفطية (Oil Sands) في إقليم ألبرتا، والتي تتطلب تقنيات معقدة لاستخراج الخام الكثيف (البيتومين) من التكوينات الرملية، ما يجعل هذه المنشآت أكثر عرضة للتعطل في ظل الظروف البيئية الشديدة.
وتقع معظم هذه الحقول والمنشآت وسط مناطق كثيفة الغابات، مما يزيد من خطورة الحرائق في موسم الصيف، الذي بات يبدأ أبكر من المعتاد بفعل تغير المناخ وارتفاع درجات الحرارة.
تأثير مباشر على أسعار النفط
مع إعلان تقليص الإنتاج، سجلت أسعار النفط الخام ارتفاعات محدودة لكنها ملحوظة، حيث صعد خام برنت نحو 1% مقتربًا من 83 دولارًا، بينما ارتفع خام غرب تكساس الوسيط إلى قرابة 78 دولارًا.
ورغم أن الكميات المتأثرة حتى الآن لا تُعد ضخمة مقارنة بإجمالي الإنتاج العالمي، إلا أن السوق بات حساسًا لأي تطورات مفاجئة، خصوصًا مع استمرار تخفيضات "أوبك+"، والتوترات الجيوسياسية، والمخاوف المستمرة من تباطؤ الإمدادات.
الأسواق في حالة "حذر شديد"
يرى محمد حليوة، خبير الطاقة والغاز، أن تأثير هذه الحرائق قد يتجاوز مجرد ارتفاع الأسعار حيث ان الأسواق تعيش حالة من الحذر المفرط، والطلب يتقاطع اليوم مع تحديات تتعلق بالمناخ، والجغرافيا السياسية، وتكاليف النقل، وحتى تأمين المنشآت. ما يحدث في كندا قد يبدو محدودًا، لكن إذا اتسعت الحرائق إلى منشآت أخرى، أو طالت خطوط النقل، فسنكون أمام أزمة توريد فعلية تؤثر خاصة على السوق الأمريكي".
ويتابع حليوة في تصريح خاص لنيوز رووم ،،ان كندا لاعب مهم في إمداد الخام الثقيل، وهذا النوع من الخام يُستخدم بكثافة في مصافي تكرير عديدة. أي اضطراب فيه يدفع إلى زيادة الطلب على أنواع أخرى من الخام، وبالتالي رفع الأسعار عالميًا، خاصة إذا اقترن ذلك بانقطاعات أو بطء في الإنتاج من دول أخرى".
مناخ متقلب يهدد أمن الطاقة
هذه الحادثة تعيد تسليط الضوء على الخطر المناخي كعامل حاسم في صناعة الطاقة. فحرائق الغابات، التي كانت تُعد في السابق حوادث موسمية محدودة، باتت الآن أوسع نطاقًا وأكثر تكرارًا بفعل التغيرات المناخية، الأمر الذي يعقّد عمليات التشغيل، ويزيد من تكاليف التأمين والتعويض، ويؤثر على استدامة المشاريع طويلة الأجل.
هل يتكرر سيناريو 2023؟
خلال صيف 2023، سجلت كندا أكبر موسم حرائق في تاريخها الحديث، حيث احترق أكثر من 17 مليون هكتار من الغابات، وأُجلي الآلاف من السكان، وتضرر عدد كبير من خطوط الكهرباء والطرق وخطوط الأنابيب، وهو ما تسبب في تعطل مؤقت لإمدادات الطاقة في بعض المقاطعات.
ويبدو أن 2025 قد تشهد بداية مبكرة لموسم مشابه، مما يضع السلطات وشركات النفط في حالة استنفار، خصوصًا أن الحقول والمنشآت الحيوية تقع في مناطق نائية، يصعب التدخل السريع فيها عند نشوب النيران.
تأثير غير مباشر على الغاز وأسواق الطاقة الأخرى
رغم أن التأثير المباشر يقتصر على إنتاج النفط، إلا أن أسواق الغاز الطبيعي قد تتأثر أيضًا، خصوصًا في أمريكا الشمالية، حيث ترتبط بعض الإمدادات الغازية بالبنية التحتية المشتركة مع حقول الرمال النفطية. كما أن تعطل عمليات التكرير أو الشحن قد يضغط على سلاسل الإمداد، ويرفع أسعار بعض المنتجات المكررة.
متغير جديد في مشهد الطاقة العالمي
في ظل اضطرابات مستمرة في سلاسل التوريد العالمية، وتغيرات مناخية باتت تضرب بقوة في قلب مناطق الإنتاج، تبرز حرائق كندا كمؤشر جديد على هشاشة أمن الطاقة العالمي، وتؤكد الحاجة إلى خطط طوارئ، وتنوع مصادر الإمداد، وتعزيز بنية الحماية المناخية لمنشآت النفط والغاز.
وإذا لم تتمكن السلطات الكندية من السيطرة على الحرائق سريعًا، فإن السوق قد يشهد ارتفاعًا تدريجيًا في الأسعار، ما يفرض تحديات إضافية على الدول المستوردة، ويعيد رسم أولويات المستثمرين في قطاع الطاقة العالمي.