السفير مجدي عامر: الرئيس السيسي عزز العلاقات المصرية الصينية
في مسيرة مهنية حافلة تمتد لعقود، استطاع السفير الدكتور مجدي عامر أن يرسّخ مكانته كأحد أبرز الوجوه الدبلوماسية المصرية، حيث خدم في مواقع استراتيجية مثل سفير مصر لدى الصين وباكستان، ومساعد وزير الخارجية لشؤون دول حوض النيل. اتسمت أدواره بالتأثير الفاعل في ملفات السياسة الخارجية، لا سيما العلاقات الثنائية وقضايا المياه الإقليمية.
في هذا الحوار الخاص، تستعرض "نيوز رووم" محطات من تجربته الدبلوماسية، ورؤيته للتحديات الإقليمية.
العلاقات المصرية الصينية
ما هي أبرز ملامح العلاقات المصرية الصينية في الوقت الراهن؟
العلاقات بدأت رسميًا مع الصين الجديدة، الصين الشيوعية، بعد عام 1949، حين اعترفت مصر بجمهورية الصين الشعبية في عام 1956. هذا يعني أننا العام القادم نكون قد أكملنا 70 سنة من العلاقات الرسمية.
ومتى بدأت أول زيارة رسمية بين البلدين؟
أول زيارة لزعيم صيني إلى مصر كانت عام 1963.
هل كانت العلاقات متميزة منذ ذلك الوقت؟
لا، ظلت العلاقات في إطارها الطبيعي، لم تكن علاقات مميزة. حتى في عهد السادات، وكذلك في عهد حسني مبارك، رغم أنه زار الصين ثماني أو تسع مرات، بقيت العلاقات في مستواها العادي، والحقيقة، الصين تعرفت على إفريقيا من خلال مصر، وكذلك على العالم العربي، فمصر كانت بوابة الصين لأفريقيا والعالم العربي بأسره.
الحاجز الجليدي
بدأت مرحلة جديدة في العلاقات المصرية الصينية في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي.. كيف؟
منذ تولي الرئيس السيسي الحكم في عام 2014، كسر الحاجز الجليدي في العلاقات بين مصر والصين. كانت هناك قناعة لدى الجانب الصيني بأن علاقات مصر الوثيقة بالولايات المتحدة وأوروبا لا تتيح مساحة للتقارب مع الصين. لكن الرئيس السيسي منذ زيارته الأولى لبكين في ديسمبر 2014، أعلن استعداده لرفع العلاقات لأعلى مستوى، وتم توقيع اتفاق الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين، مما فتح الباب للتعاون في مختلف المجالات.
كيف كانت العلاقات المصرية الصينية قبل السيسي؟
العلاقات شهدت ركودًا في فترات رؤساء مصر السابقين عبد الناصر والسادات، واستمر الأمر كذلك في عهد الرئيس مبارك، رغم زيارته للصين أكثر من 8 مرات. كانت هناك زيارات رئاسية لكن بدون زيارات وزارية أو تعاون فعلي، وكنا نتأخر دائمًا في استغلال الفرص. الرئيس السيسي غيّر هذا النهج، وبدأ سياسة خارجية جديدة بالتوجه نحو المعسكر الشرقي وعلى رأسه الصين.
مواقف الصين الداعمة لمصر دوليًا
هل تعتبر الصين شريكًا يُعتمد عليه في أوقات الأزمات؟
نعم، الصين شريك قوي يمكن الاعتماد عليه في الأوقات الحرجة. موقفها في مجلس الأمن بعد ثورة 2013 دليل واضح. حينها، طلبت الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا فرض عقوبات على مصر تحت البند السابع، والذي يتيح التدخل العسكري، لكن الصين وروسيا رفضتا بشدة، واعتبرتا الوضع شأنًا داخليًا مصريًا، حتى أنه تم اقتراح جلسة غير رسمية أو بيان من رئيس مجلس الأمن، ورفضت الصين ذلك أيضًا وهذا موقف لا يُقدر بثمن.
زيارة مرتقبة للرئيس الصيني لمصر
هناك زيارة مرتقبة للرئيس الصيني إلى مصر.. متى؟
نعم، من المتوقع أن يزور الرئيس شي مصر في يناير 2026. الصين تقوم سنويًا في يناير بجولة إفريقية، إما عبر الرئيس أو وزير الخارجية، ضمن استراتيجيتها لتعزيز العلاقات مع القارة الإفريقية ، وآخر زيارة للرئيس شي لمصر كانت في 2016، ضمن جولة شملت السعودية وإيران أيضًا.
الاتفاقيات المالية والدعم الاقتصادي
ما أبرز أشكال التعاون المالي بين مصر والصين؟
في عام 2016، تم توقيع اتفاقية لاستخدام العملات المحلية بين مصر والصين بقيمة 2.8 مليار دولار (18 مليار يوان). هذا المبلغ دخل ضمن الاحتياطي النقدي في البنك المركزي، وما زال يُجدد سنويًا حتى الآن.
كما حصل البنك المركزي على 900 مليون دولار، والبنك الأهلي على 800 مليون، وبنك مصر على 400 مليون، لتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
كيف ساعدت الصين مصر ماليًا في 2016؟
الصين قدمت هذه المبالغ نقدًا في وقت حرج جدًا لمصر بعد التعويم الأول في نوفمبر 2016، حين لم يكن لدينا احتياطي دولاري كافٍ. وكان هذا بمثابة رسالة دعم قوية من الصين بأنها تقف إلى جانب مصر وقت الأزمات.
مبادرة الحزام والطريق
ما أهمية مبادرة الحزام والطريق في التعاون المصري الصيني؟
المبادرة فتحت المجال لمصر ودول أخرى للتعاون مع الصين في العديد من المشروعات، سواء كانت استثمارية أو تكنولوجية أو بحثية أو حتى عبر القروض. الصين ترصد ميزانيات ضخمة من خلال هذه المبادرة لدعم البنية التحتية في الدول المشاركة.وهي مبادرة استراتيجية أطلقتها الصين عام 2013 وتستهدف أكثر من 150 دولة، وتُعرف أحيانًا بطريق الحرير الجديد.
الصين في أفريقيا
ما هي الأهداف الرئيسية للاستثمارات الصناعية في القارة الإفريقية؟
الصين تتوسع بقوة في إفريقيا، بعدما ثبتت وجودها أولاً في الدول الآسيوية المجاورة. إفريقيا تمثل لها مجالاً طبيعياً للتوسع، فهي قارة ضخمة تضم أكثر من خمسين دولة، وهذه الدول تمثل أصواتاً مهمة للصين في المحافل الدولية مثل الأمم المتحدة. بجانب ذلك، تعتبر إفريقيا مصدرًا ضخمًا للمواد الخام، التي تحتاجها الصين بشدة في صناعاتها المختلفة. ولكن الأمر لا يقتصر على المصالح فقط، فالصين تنفذ مشروعات تنموية فعلية تفيد هذه الدول، مثل مشروعات البنية التحتية والمطارات والطرق ومحطات الكهرباء.
وماذا عن اهتمام الصين بالمعادن النادرة في إفريقيا؟
الصين كانت سباقة في هذا الملف، وهي الآن تسيطر على حوالي 75% من صناعة المعادن النادرة عالميًا، والتي تُستخدم في الصناعات الإلكترونية، البطاريات، طاقة الرياح وغيرها. منذ سنوات، وضعت الصين يدها على مناجم المعادن النادرة في إفريقيا، ثم أنشأت مصانع تنقية وتصنيع لهذه المواد داخل الصين، مما جعلها المتحكم الأكبر في هذه الصناعة، وهو ما أقلق الولايات المتحدة واليابان وغيرهما ممن يعتمدون عليها.
سد النهضة والعلاقات المصرية الإثيوبية
تقييمكم للوضع الحالي في ملف سد النهضة؟
للأسف، المفاوضات الثلاثية بين مصر والسودان وإثيوبيا متوقفة فعليًا منذ سبتمبر 2023، ويُعد ذلك استمرارًا للتجميد الذي بدأ منذ 2013 بعد فشل لجنة الخبراء الدولية في تحقيق توافق، نتيجة رفض إثيوبيا تنفيذ الدراسات الفنية المطلوبة.
إثيوبيا استكملت الملء الرابع للسد دون التنسيق مع مصر أو السودان، ضاربة عرض الحائط بالاتفاقيات السابقة التي تنص على العمل المشترك.
ما الخطر الحقيقي الذي تواجهه مصر في ملف السد؟
حتى الآن، لم تتأثر مصر بشكل كبير بفضل المخزون في بحيرة ناصر، لكن الخطر الأكبر هو تكرار مواسم الجفاف مع بناء إثيوبيا المزيد من السدود، وهو ما يستدعي تحركًا دبلوماسيًا واستراتيجيًا حاسمًا لحماية حقوق مصر المائية.
هل هناك تمويل صيني مباشر لسد النهضة؟
لا، هذه شائعات غير صحيحة روجتها وسائل إعلام غربية وانتقلت للعربية والمصرية دون تدقيق. لا توجد دولة أعلنت تمويلًا مباشرًا للسد، لأن من يفعل ذلك سيضع نفسه في مواجهة مباشرة مع مصر.
الشركة المنفذة للسد شركة إيطالية خاصة تُدعى "ساليني"، وليست جهة حكومية. أما الحديث عن الصين فربما سببه أن مولدات السد صُنعت في مصانع صينية لتقليل التكلفة، لكن هذا لا يعني وجود تمويل أو صناعة صينية مباشرة.
الصين وإعادة إعمار غزة
ما توقعاتكم لدور صيني أو عربي في إعادة إعمار غزة بعد انتهاء الحرب الحالية؟
دعني أقول لك بصراحة، ما حصل بعد كل حرب على غزة من 2014 حتى 2021، هو مجرد وعود بإعادة الإعمار، ولكن لم يحدث شيء فعلي. حتى لو قيل إنه سيتم إدخال مساعدات أو بناء من جديد، لا يتم التنفيذ كما يُعلن. هناك سياسة واضحة في هذا الملف، والمخطط الإسرائيلي معروف؛ التهجير، حتى وإن تم تدريجيًا وعلى مدى سنوات. هناك مقاومة لهذا التهجير، سواء من مصر أو الأردن، ولكن التهجير هو المخطط الأساسي في النهاية.
ما الذي يعيق تنفيذ هذا المخطط الإسرائيلي بشكل أسرع؟
العائق الوحيد أمام هذا التهجير السريع هو مصر بشكل واضح فضلا عن وجود بعض المعوقات السياسية والضغوط، لكن لو تُرك الأمر بالكامل لإسرائيل، لتم التهجير من عام مضى. هم يقولون تصريحات كثيرة، لكنهم في النهاية لا يواجهون بمواقف قوية تمنعهم أو تردعهم.
الحرب الهندية الباكستانية
كيف تقيّم نتائج الحرب بين الهند وباكستان ؟
الحرب الأخيرة بين الهند وباكستان كشفت عن تطور نوعي كبير في القدرات العسكرية الباكستانية، خاصة في مجال الطيران والصواريخ. كان هناك عنصر مفاجأة كبير للهند، التي لم تكن تتوقع هذا الأداء المتقدم من الجانب الباكستاني. فعلى الرغم من التفوق العددي والتقليدي للهند، خصوصًا في العتاد العسكري مثل الدبابات والقوات البرية، فإن باكستان نجحت في خلق توازن نسبي عبر تطوير قدراتها النوعية.
ما دور الصين في تعزيز القدرات الدفاعية الباكستانية؟
الصين لعبت دورًا حاسمًا في هذا التطور، والشراكة العسكرية الوثيقة بين الصين وباكستان وفّرت تكنولوجيا متقدمة استُخدمت بفعالية في أرض المعركة. من أبرز الأمثلة على ذلك الطائرة الصينية "جي-10 سي" التي دخلت مؤخرًا في الخدمة بسلاح الجو الباكستاني، وهي تُصنّع محليًا في باكستان ضمن مشروع تعاون استراتيجي مع الصين. هذه الطائرة تمثل نقلة نوعية في الأداء وتعزز من قدرة باكستان على الاعتماد على الذات في الصناعات الدفاعية.
هل أعادت هذه الحرب إثارة الملفات السياسية المزمنة بين البلدين؟
نعم، أعادت هذه الحرب تسليط الضوء على ملف كشمير، الذي يمثل مصدرًا دائمًا للتوتر بين الهند وباكستان منذ عام 1947. الحادثة الأخيرة أعادت للأذهان أيضًا أحداث عملية مومباي عام 2008، والتي كادت أن تؤدي إلى اندلاع حرب شاملة بين البلدين لولا التدخل الدولي.
ما هو السياق الأمني الذي يؤثر على الوضع في باكستان؟
الوضع الأمني في باكستان معقد، ولا يمكن فصله عن تداعيات الأزمة الأفغانية والفراغ الجيوسياسي الذي خلفه انسحاب القوات الغربية. باكستان تواجه تحديات أمنية داخلية خطيرة، من بينها وجود تنظيمات متطرفة نشأت في سياق تاريخي مرتبط بالحرب الباردة، حين دعمت الولايات المتحدة وبعض الدول الخليجية جماعات مسلحة لمحاربة النفوذ السوفيتي في أفغانستان، مثل طالبان. بعض هذه التنظيمات ما زال يمثل تهديدًا مباشرًا للهند، من خلال الهجمات التي تنطلق من داخل الأراضي الباكستانية نحو كشمير وداخل العمق الهندي.
هل تعتمد باكستان بشكل كامل على الصين في تسليح جيشها؟
لا، باكستان لا تعتمد فقط على الصين، رغم كونها شريكًا رئيسيًا في التسليح. لكنها حرصت على تنويع مصادر تسليحها، فمثلًا تستورد غواصات من فرنسا وألمانيا. هذا يعكس توجهًا استراتيجيًا لبناء جيش متطور وقادر على مجاراة التفوق العددي الهندي. الهند من جانبها لم تُحسن تقدير وتيرة التطور السريع الذي حققته باكستان على صعيد التكنولوجيا والقدرات العسكرية.
