عاجل

أوروبا والتهديدات الصاروخية المتصاعدة

محلل عسكري: أوروبا بحاجة إلى "قبة ذهبية" لمواجهة التهديدات الصاروخية

محلل عسكري: أوروبا
محلل عسكري: أوروبا بحاجة إلى "قبة ذهبية"

اعتبر المحلل العسكري السلوفاكي توماش ناجي، أن أوروبا تحتاج إلى بناء منظومة دفاع صاروخي متكاملة تشبه ما أطلق عليه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اسم "القبة الذهبية لأمريكا"، والتي تهدف إلى القضاء على أي تهديد صاروخي محتمل ضد الأراضي الأميركية.

وفي مقال نُشر بمجلة ناشونال إنتريست الأميريكية، أشار ناجي، وهو باحث أول في قضايا الدفاع النووي والفضائي والصاروخي في مركز "غلوبيسك" البحثي العالمي، ومستشار سابق للسياسات لدى نائب وزير الدفاع في سلوفاكيا، إلى أن مشروع "القبة الذهبية" قد يُفهم كرمز لطموح ترامب المبالغ فيه، إلا أنه في الوقت ذاته يسلط الضوء على واقع صعب، يتمثل في أن أنظمة الدفاع الجوي والصاروخي لدى الدول الغربية ما تزال متخلفة إلى حد خطير مقارنة بالقدرات الهجومية المتطورة التي تواصل الدول غير الغربية تطويرها بوتيرة متسارعة.

 

محلل عسكري: أوروبا بحاجة إلى "قبة ذهبية" 

واستعرض ناجي في تقريره التطورات العسكرية الصاروخية، بدءاً من التقدم الروسي والصيني في مجال الصواريخ الفرط صوتية، ومروراً ببرامج كوريا الشمالية المستمرة في تطوير الصواريخ الباليستية، ووصولاً إلى برنامج إيران النووي الذي يوشك أن يضعها على عتبة التحول إلى قوة نووية، بالإضافة إلى مشاريع تطوير صاروخي غير معلنة في باكستان.

<span style=
محلل عسكري: أوروبا بحاجة إلى "قبة ذهبية" 

وأوضح ناجي أن الدول الغربية لا تعاني فقط من نقص في أنظمة الدفاع الجوي والصاروخي لحماية أراضيها، بل تفتقر أيضاً إلى القدرات الهجومية الكفيلة بردع الخصوم. وعلى مستوى الولايات المتحدة، يعكس مشروع "القبة الذهبية" تحولاً جوهرياً في استراتيجية الدفاع، إذ لا يقتصر على اعتراض الصواريخ فحسب، بل يشمل بناء منظومة دفاع من الجيل الجديد تتكامل فيها أجهزة الاستشعار في الفضاء، ووسائل الاعتراض من البر والبحر والجو وخارج الغلاف الجوي، مستفيدة من شبكات بيانات تربط الأصول المدنية والعسكرية، وتعزز إمكانيات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي.

ورغم أن المبادرة لا تزال في مراحلها المبكرة، إلا أنها تواجه بالفعل تحديات كبيرة، منها مشكلات الإنتاج ونقص المكونات، فضلاً عن غياب التكامل الفعّال بين مختلف طبقات الدفاع. أما في أوروبا، فرغم اختلاف طبيعة التحديات، فإن مستوى التهديد لا يقل خطورة.

وأكد ناجي أن الغزو الروسي لأوكرانيا أظهر بوضوح مدى التدمير الذي يمكن أن تلحقه أنظمة الصواريخ الباليستية وصواريخ الكروز، مشيراً إلى أن أي صراع واسع النطاق مع روسيا مستقبلاً من المرجح أن يشهد اعتماد موسكو بشكل أكبر على الضربات الصاروخية بعيدة المدى، نظراً لقدرتها المحدودة على التوغل البري في عمق الأراضي الأوروبية.

وأشار إلى أن الدفاع الصاروخي ظل مهملًا في السياسات الدفاعية الأوروبية مقارنة بمجالات أخرى كإنتاج ذخائر المدفعية، والحرب الإلكترونية، والطائرات المسيّرة، وتطوير القوة الجوية الاستراتيجية. وكانت النتيجة فجوة كبيرة في قدرة أوروبا على حماية أجوائها من أي تهديد.

 

الدول الأوروبية لا تمتلك اليوم سوى نسبة ضئيلة من أنظمة الدفاع الجوي

وبيّن ناجي أن الدول الأوروبية لا تمتلك اليوم سوى نسبة ضئيلة من أنظمة الدفاع الجوي والصاروخي المتكاملة (IAMD) الضرورية لردع روسيا أو الدفاع عن النفس في حال فشل الردع، مشيراً إلى تقرير لصحيفة فايننشال تايمز العام الماضي كشف أن حلف الناتو يمتلك أقل من 5% من القدرات المطلوبة لحماية أوروبا الشرقية من التهديدات الجوية.

وأضاف أن الوضع يزداد سوءاً في ظل ضعف القدرات الهجومية الصاروخية للقارة، إذ لا تملك سوى دول قليلة مثل بريطانيا وفرنسا صواريخ قادرة على ضرب أهداف روسية من مواقعها ضمن الجناح الشرقي للناتو، لكن مخزون هذه الأسلحة لا يكفي لشن حملة عسكرية طويلة المدى إذا فشل الردع.

وفي المقابل، تمتلك روسيا مخزوناً ضخماً من الصواريخ التقليدية المختلفة، ما يجعل تحقيق التكافؤ معها بعيد المنال بالنسبة لأوروبا في المستقبل القريب، وهو ما يستدعي، بحسب ناجي، تعزيز القدرات الدفاعية والهجومية على حد سواء.

ورغم هذه الصورة القاتمة، أشار التقرير إلى بوادر تقدم، مثل مبادرة "النهج الأوروبي للضربات بعيدة المدى" التي تهدف إلى تعزيز الاستقلالية الأوروبية في إنتاج الصواريخ، وزيادة المخزونات، وتطوير أنواع متعددة من الأسلحة بعيدة المدى. لكن نجاح هذه المبادرات، بحسب ناجي، يتطلب تحركاً عاجلاً ووضع استراتيجية شاملة.

ودعا ناجي الدول الأوروبية إلى تسريع المشتريات الدفاعية، والتعاون مع حلفاء غير أوروبيين مثل الولايات المتحدة وإسرائيل وكوريا الجنوبية، وتوسيع نطاق مشاركة أعضاء الناتو الأوروبيين، بمن فيهم أولئك الذين يمتلكون جيوشاً صغيرة، إلى جانب تنويع منصات إطلاق الصواريخ في جميع الميادين.

<span style=
محلل عسكري: أوروبا بحاجة إلى "قبة ذهبية" 

بناء "نظام للأنظمة" يعتمد على تخطيط هندسي متماسك

وشدد على ضرورة أن تتجنب أوروبا الوقوع في الأخطاء التي تواجهها الولايات المتحدة حالياً، من بينها صعوبة التكامل بين الأنظمة المختلفة. وأكد أن المطلوب ليس فقط تطوير الأنظمة الدفاعية، بل بناء "نظام للأنظمة" يعتمد على تخطيط هندسي متماسك، وبنية تحتية بيانات مشتركة.

كما أشار إلى تحدٍ آخر بالغ الأهمية يتمثل في توسيع قاعدة الصناعة الدفاعية الأوروبية، لاسيما في ظل الطلب العالمي المتزايد على المكونات الأساسية كأجهزة الاستشعار ومحركات الصواريخ العاملة بالوقود الصلب، وهي موارد تعتمد عليها أكثر من 18 دولة تستخدم منظومة "باتريوت" على سبيل المثال.

وحذر من أن أوروبا لا تخوض فقط سباقاً مع الزمن، بل تنافس أيضاً باقي دول العالم على القدرة الإنتاجية، ما يستوجب تحديد واضح لأولويات الاستثمار الدفاعي الأوروبي.

وأكد ناجي ضرورة أن تتمتع أنظمة الدفاع الصاروخي الأوروبية بقدرة عالية على التنقل لتفادي أن تصبح أهدافاً سهلة، خاصة في ظل قدرات الخصوم المتزايدة على تنفيذ ضربات دقيقة وتحت مراقبة مستمرة.

واختتم ناجي تقريره بالتأكيد على أن لا نظام دفاع صاروخي، سواء كان أميركياً أو أوروبياً، يستطيع أن يضمن حماية مطلقة، ففكرة وجود درع حصين ضد هجوم استراتيجي واسع النطاق من روسيا أو الصين لا تزال، في الوقت الراهن، ضرباً من الخيال التكنولوجي. وحتى في حال نجاح مشروع "القبة الذهبية"، فإن عنصر المبادأة سيبقى في صالح الهجوم.

مع ذلك، يرى ناجي أن أمام أوروبا بعض الوقت للتحرك، لكن هذا لا ينبغي أن يمنح قادة القارة شعوراً زائفاً بالارتياح. فامتلاك منظومة دفاع صاروخي متكاملة وقوية ومتعددة الطبقات، إلى جانب قدرات ردع حقيقية، لم يعد خياراً سياسياً، بل ضرورة استراتيجية لا غنى عنها لأمن أوروبا في المستقبل.

تم نسخ الرابط