عاجل

"خلي بالك موبايلك يؤذي طفلك " .. دراسة تكشف الأسباب

 استخدام التكنولوجيا
استخدام التكنولوجيا وسلوكيات الأطفال

مع التقدم التكنولوجي المستمر ووجود الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية في كل مكان، أصبح من المعتاد رؤية الأهل وهم يستخدمون هذه الأجهزة بينما أطفالهم بجانبهم. لكن هل تعلم أن هذا السلوك الذي يبدو بسيطًا قد يكون له تأثيرات كبيرة وخطيرة على صحة ونمو الأطفال؟ دراسة جديدة نُشرت في مجلة JAMA Pediatrics سلطت الضوء على هذه المشكلة، وأوضحت أن استخدام الوالدين للتكنولوجيا في وجود أطفالهم، أو ما يسمى بـ "استخدام الوالدين للتكنولوجيا" (PTU)، قد يكون له آثار سلبية غير مرئية على الأطفال، خاصة في مراحلهم المبكرة.


ما هو "استخدام الوالدين للتكنولوجيا"؟

يشير مصطلح استخدام الوالدين للتكنولوجيا إلى انشغال الآباء والأمهات بأجهزتهم الإلكترونية أثناء تواجدهم مع أطفالهم، وهذا يشمل الهواتف الذكية، الأجهزة اللوحية، وأي جهاز رقمي آخر. هذه الظاهرة أصبحت شائعة جدًا في عصرنا الحالي، حيث نرى العديد من الأهل يستخدمون هذه الأجهزة في كل مكان، من المنزل إلى الأماكن العامة، وأثناء التفاعل مع أطفالهم.

لكن المشكلة لا تكمن في استخدام الأجهزة بحد ذاته، بل في الوقت الذي يقضيه الأهل مع أطفالهم أثناء انشغالهم بالتكنولوجيا، مما يعرض الأطفال لتجربة تفاعلية منخفضة الجودة، وهو ما قد يؤثر بشكل سلبي على نموهم العقلي والاجتماعي والعاطفي.


دراسة شاملة توضح التأثيرات السلبية

نُشرت الدراسة التي شملت 21 بحثًا من 10 دول مختلفة وغطت ما يقرب من 15 ألف مشارك، وكانت النتائج التي خلص إليها الباحثون مثيرة للقلق. فقد أظهرت الدراسة وجود ارتباطات قوية بين استخدام الآباء للأجهزة الإلكترونية أمام أطفالهم وبين تراجع في التطور الإدراكي للأطفال وزيادة في المشاكل السلوكية والعاطفية لديهم.

التأثيرات السلبية على الأطفال

  • ضعف التطور الإدراكي: الأطفال الذين يتعرضون لانشغال والديهم بالتكنولوجيا قد يظهرون تأخرًا في تعلم مهارات التفكير وحل المشكلات.
  • زيادة المشاكل السلوكية: تظهر الدراسات أن الأطفال الذين يشهدون انشغال والديهم بالأجهزة بشكل متكرر يعانون من مشاكل سلوكية أكبر مثل العدوانية، قلة الانتباه، وزيادة العصبية.
  • التأثير على العلاقة بين الطفل ووالديه: عندما يكون أحد الوالدين مشغولًا بالجهاز، يتأثر التواصل العاطفي بينه وبين طفله، مما يؤدي إلى ضعف الترابط العاطفي.
  • زيادة الوقت أمام الشاشات: الأطفال الذين يرون آباءهم يستخدمون الأجهزة بشكل متكرر يقضون وقتًا أطول أمام الشاشات بأنفسهم، وهو ما قد يؤدي إلى مشاكل صحية مثل قلة النشاط البدني ومشاكل في النوم.

ورغم أن الباحثين أشاروا إلى أن تأثيرات هذه العوامل كانت صغيرة نسبيًا في البداية، فإنهم حذروا من أن هذه الآثار تتراكم بمرور الوقت وتستمر لفترات طويلة، مما يؤثر بشكل كبير على الأطفال مع تقدمهم في العمر.

الارتباط بين استخدام التكنولوجيا وسلوكيات الأطفال

الملفت في نتائج الدراسة هو أن الوقت الذي يقضيه الوالدان في استخدام التكنولوجيا، سواء كان لفترة قصيرة أو طويلة، لا يُحدث فرقًا كبيرًا في تأثيره على الأطفال. ففي كلتا الحالتين، يُلاحظ الأطفال هذا الانشغال ويشعرون بالإهمال. كما أن الأطفال الذين نشأوا في بيئات يسود فيها استخدام الأجهزة الرقمية بشكل مفرط قد يصبحون أقل قدرة على التعامل الاجتماعي، وأقل اهتمامًا بالأنشطة غير الرقمية مثل اللعب الجماعي أو النشاطات البدنية.

آباء غير مهتمين بوقت شاشاتهم؟

الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أن الآباء الذين لا يراقبون وقتهم الشخصي أمام الشاشات قد يكونون أكثر عرضة لإغفال الوقت الذي يقضيه أطفالهم أمام الأجهزة أيضًا. بمعنى آخر، إذا كان الآباء لا يهتمون بكيفية تأثير التكنولوجيا على حياتهم الشخصية، فإنهم غالبًا ما يغفلون عن التأثيرات السلبية المحتملة على أطفالهم. وهذا يعكس ضرورة أن يكون الآباء قدوة لأطفالهم في استخدام الأجهزة الرقمية بشكل معقول.

هل هذا يعني أننا يجب أن نتوقف عن استخدام التكنولوجيا تمامًا؟

بالتأكيد لا! فالتكنولوجيا في حد ذاتها ليست ضارة. ولكن التحدي يكمن في كيفية إدارة استخدامها بشكل صحيح. لا تشير الدراسة إلى ضرورة حظر استخدام الأجهزة الإلكترونية بل تدعو إلى تنظيم استخدامها حول الأطفال. هناك فرق بين استخدام الأجهزة لأغراض تعليمية وتواصلية وبين الانغماس الكامل في الجهاز على حساب التفاعل مع الطفل.

نصائح عملية لتقليل التأثيرات السلبية للتكنولوجيا على الأطفال

  • تخصيص أوقات خالية من الأجهزة: من المهم تخصيص لحظات يومية خالية من الأجهزة مثل وقت الطعام، وقت اللعب، وأثناء الأنشطة العائلية المهمة. هذه الأوقات تعتبر حيوية لبناء العلاقة بين الوالدين والطفل.
  • التفاعل بحضور كامل: عندما تكون مع طفلك، حاول أن تكون حاضرًا جسديًا وعاطفيًا. ركز على التواصل مع طفلك، واستجب لاحتياجاته الاجتماعية والعاطفية.
  • كن قدوة في الاستخدام المسؤول للتكنولوجيا: إذا كنت ترغب في أن يتعلم طفلك كيفية التعامل مع التكنولوجيا بشكل متوازن، كن قدوة له من خلال تحديد وقت الشاشة واستخدام الأجهزة بشكل معتدل.
  • وضع قواعد لاستخدام الشاشات: حاول مراقبة وتحديد الوقت الذي يقضيه الطفل أمام الشاشات، مع التأكد من أن هذا الوقت يقتصر على الأنشطة التعليمية والترفيهية المفيدة.
  • الانتباه إلى نوع المحتوى: تأكد من أن المحتوى الذي يستهلكه الطفل عبر الأجهزة مناسب لعمره وأنه يعزز التعلم والترفيه الإيجابي.

التحدي الحقيقي ليس في منع استخدام التكنولوجيا، بل في إدارة كيفية استخدامها بشكل يعزز نمو الطفل وتطوره الاجتماعي والعاطفي. لا شك أن التكنولوجيا أصبحت جزءًا من حياتنا اليومية، لكن مع بعض التنظيم والوعي، يمكننا أن نضمن أن تكون أداة مفيدة لنمو أطفالنا، وليس عقبة أمام تفاعلهم وتطورهم. لذلك، امنح طفلك الوقت والتفاعل الذي يستحقه، وكن حذرًا من المواقف التي يمكن أن تأخذك بعيدًا عن هذه المهمة المهمة.

تم نسخ الرابط