شراكة مصر والجابون.. تعاون ممتد يرسم ملامح المستقبل المشترك

تعد العلاقات المصرية الجابونية نموذجا للعلاقات الثنائية المتطورة والمتعددة الأبعاد بين الدول الإفريقية، حيث شهدت تطورا ملحوظا منذ نشأتها منتصف سبعينيات القرن الماضي، واتسمت بالاستمرارية والتنوع في مجالات التعاون السياسي والاقتصادي والثقافي والطبي والأمني، في إطار حرص البلدين على تعميق أواصر الصداقة وتعزيز المصالح المشتركة.
العلاقات السياسية
بدأت العلاقات السياسية بين مصر والجابون عام 1975، عقب أول زيارة رسمية قام بها الرئيس الجابوني الراحل عمر بونجو إلى مصر في ديسمبر 1973، والتي مهدت لتبادل التمثيل الدبلوماسي وافتتاح السفارة المصرية في العاصمة ليبرفيل عام 1975. ومنذ ذلك الحين، شهدت العلاقات تطورًا متناميًا، كان أبرز تجلياته الزيارات المتبادلة رفيعة المستوى، مثل زيارة الرئيس الجابوني إلى مصر في فبراير 2016، وزيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الجابون في أغسطس 2017، والتي كانت الأولى لرئيس مصري منذ استقلال الجابون عام 1960.
العلاقات الاقتصادية
تمتد العلاقات الاقتصادية بين البلدين إلى مجالات واسعة تشمل الزراعة والصناعة والبنية التحتية والاستثمار، حيث شهدت الأعوام الأخيرة تحركات نشطة لدعم هذه العلاقات. ففي أكتوبر 2022، زار وزير الزراعة الجابوني مصر، وبحث مع وزير الزراعة المصري فرص التعاون في مجالات الثروة السمكية والدواجن، واستنباط التقاوي، وتعزيز الاستثمارات الزراعية في الجابون.
وفي يونيو 2021، التقى رئيس الهيئة العربية للتصنيع بالسفير الجابوني بالقاهرة، وناقشا سبل دعم التعاون في مجالات صناعية متنوعة، من الأخشاب إلى الطاقة والاتصالات والتحول الرقمي، مؤكدين على أهمية استغلال الإمكانات الكبيرة غير المستغلة في الجابون.
كما تم افتتاح مصنع مصري في المنطقة الاقتصادية الخاصة بليبرفيل عام 2021، يُعد الأول من نوعه في استخدام الصمغ العربي في الصناعات الخشبية، ويوفر بدائل محلية للاستيراد. وفي يناير 2020، ناقش وزير قطاع الأعمال المصري مع الرئيس الجابوني فرص الشراكة في مجالات الأخشاب والتعدين والزراعة.
وتواصلت جهود دعم التعاون الاقتصادي منذ عام 2012، من خلال لقاءات الغرف التجارية والاستثمارية التي سعت لتبادل المعلومات وتعزيز التصدير، وأكدت الجابون استعدادها لتقديم التسهيلات للشركات المصرية الراغبة في الاستثمار، خاصة في مجالات البنية التحتية والصناعات الدوائية.
العلاقات الثقافية والتعليمية
تحظى الجابون بدعم مصري في المجالات الثقافية والتعليمية، حيث تتواجد بها بعثات أزهرية وتعليمية، إضافة إلى منح تعليمية سنوية من الأزهر ووزارة التربية والتعليم. واستقبل الرئيس الجابوني في مايو 2022 عددًا من شيوخ الأزهر، مما يعكس تقدير الدولة الجابونية للدور المصري في نشر الثقافة والعلوم.
وفي عام 2016، تبادلت مصر والجابون الهدايا الرمزية خلال زيارة وزيرة الثقافة الجابونية إلى القاهرة، حيث تم بحث التعاون في مجالات التدريب والترجمة والحرف التراثية.
الإطار التعاقدي
تدعم العلاقات بين البلدين مجموعة من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي شملت مجالات متعددة. ففي أغسطس 2017، تم توقيع اتفاق تجاري بين وزيري التجارة، وقبلها بعدة أشهر، تم توقيع بروتوكول توأمة بين مدينتي الإسكندرية وليبرفيل. وفي عام 2016، وُقعت خمس اتفاقيات تغطي إنشاء آلية سياسية للتشاور، والتعاون الثقافي والعلمي، والتعليم والتدريب، وإنشاء المستشفى المصري الجابوني، والتعاون في الصناعات الدوائية.
ويعود التعاون المؤسسي إلى بروتوكولات موقعة منذ عام 1997، في مجالات الصحة والدبلوماسية والتعليم والإعلام، إلى جانب التوأمات الصحية مثل التعاون بين معهد ناصر ومستشفيات جابونية.
التعاون الطبي
يشكل القطاع الصحي أحد ركائز العلاقات المصرية الجابونية، ويُعد المستشفى المصري الجابوني الذي افتُتح عام 2009 في ليبرفيل أحد أبرز رموز هذا التعاون. كما قدمت مصر في يونيو 2022 شحنة مساعدات طبية للمستشفى، تضمنت تجهيزات طبية متقدمة.
وشهد التعاون الصحي دفعات قوية في 2016، حين بحث وزيرا الصحة في البلدين مشروعات متعددة، منها إنشاء مصنع أدوية وإعارة أطباء مصريين. وسبق ذلك زيارة تفقدية للمستشفى عام 2014، عكست اهتمامًا رسميًا مصريًا باستدامة الدعم الطبي للجابون.
التعاون الأمني والعسكري
تولي مصر اهتمامًا بتطوير التعاون الأمني مع الجابون، خاصة في مجال التدريب الشرطي، حيث استفاد عناصر الأمن الجابوني من دورات تدريبية في أكاديمية الشرطة ومراكز حفظ السلام المصرية، وهو ما تم تأكيده خلال لقاء السفيرة المصرية بوزير الداخلية الجابوني في مارس 2025.
التعاون عبر الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية
تلعب الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية دورًا مهمًا في تمكين العلاقات مع الجابون، من خلال تنظيم الدورات التدريبية وإيفاد الخبراء، وتقديم المنح التعليمية، بما يدعم أجندة التنمية المستدامة 2030 وأهداف الاتحاد الإفريقي 2063. وقد استضافت السفارة المصرية في ليبرفيل عام 2022 احتفالًا بالمتدربين الجابونيين الذين استفادوا من برامج الوكالة، كما استقبل الأمين العام للوكالة وفدًا جابونيًا في 2021 لبحث سبل توسيع نطاق التعاون.
يتضح من استعراض محاور التعاون المختلفة بين مصر والجابون أن العلاقات بين البلدين تقوم على أسس راسخة من المصالح المشتركة والرغبة المتبادلة في تعزيز التعاون، ليس فقط على مستوى الحكومات، بل كذلك من خلال المؤسسات التعليمية والطبية والثقافية، ما يؤكد أن آفاق هذه العلاقات مفتوحة لمزيد من التوسع بما يحقق تطلعات شعبي البلدين.
وكان قد أجرى الرئيس عبد الفتاح السيسي، اتصالا هاتفيا بالرئيس الجابوني بريس أوليجي نجيما، قدم خلاله التهنئة بمناسبة فوزه في الانتخابات الرئاسية الجابونية.
وأشاد الرئيس السيسي، خلال الاتصال، بما عكسته نتائج الانتخابات من ثقة شعبية كبيرة في القيادة الجابونية، معتبرا انعقاد الانتخابات خطوة محورية لاستكمال المسار الانتقالي في دولة الجابون الشقيقة، كما أكد حرصه على دعم الرئيس الجابوني، متمنيا له التوفيق والنجاح في تحقيق التنمية الشاملة ودفع جهود التكامل الإقليمي داخل القارة الأفريقية.
وتطرق الاتصال إلى مناقشة سبل تعزيز التعاون الثنائي بين مصر والجابون، مع التأكيد على دعم مصر لمسيرة التنمية في الجابون، وأهمية تعزيز التعاون الاقتصادي والاستثماري بما يحقق مصالح وتطلعات شعبي البلدين.