عاجل

مصر بلد المجددين

مسند الليث بن سعد: كيف أحيت مصر تراث مجددها؟ مدير «فقه التعايش» يكشف |خاص

 الشيخ أحمد بسيوني
الشيخ أحمد بسيوني

أعلنت الهيئة الوطنية للإعلام عن إطلاق مسند الليث بن سعد إمام أهل مصر، وذلك ضمن خطة مصر لاستعادة التراث المفقود لإمام المجددين الذي قال في شأنه الإمام الشافعي: «الليث أفقه من مالك»، فما هي آلية تجميع مسند الإمام الليث؟

التعايش في فقه الإمام الليث بن سعد 

يقول الشيخ أحمد بسيوني، مدير مركز الإمام الليث بن سعد لفقه التعايش بدار الإفتاء، إن اختيارالإمام الليث بن سعد، باعتباره واحدًا من أعلام فقه التعايش ومن كبار فقهاء الثاني الهجري، مشيرًا إلى أن الإمام الليث وإن لم يصنف أو يؤلف كتبًا مستقلة بنفسه في الفقه ومسائل الشريعة، إلا أن تراثه ومسائله وفتاويه يمكن جمعها من بطون كتب الفقه والصحاح والسنن والمسانيد وغيرها. 

وقال في تصريحات خاصة لـ «نيوز رووم» إن الليث بن سعد كان أول من ابتكر فقه التعايش وذلك بفتاواه الشهيرة في بناء الكنائس، حيث قال: "إنها من عمارة البلاد"،  ورد على المخالفين بأن هدم الكنائس بدعة  تحدث في عهد الصحابة رضوان الله عليهم، وقد أكد أن كثيرًا من الباحثين قد اهتموا بجمع تراث الإمام الليث بن سعد، ومنهم الأستاذ الدكتور محمد رواس قلعجي، الذي جمع موسوعة فقه الإمام الليث بن سعد في مجلد كبير من خلال الاستعانة بما دون له في كتب الحديث وغيرها من المراجع التراثية.

 وحول عناية دار الإفتاء في عهد الدكتور نظير عياد بتراث الليث وإفراد مركزًا يحمل اسمه لترسيخ فقه التعايش، قال إن هناك جهود كبيرة تبذل في سبيل التعريف بفقه الإمام الليث ويجرى حاليًا العمل على صوغها بشكل يلائم مكانة الليث بن سعد رضي الله عنه، مؤكدًا أن الإمام الليث بن سعد كان نموذجًا راقيًا للتعايش والرحمة، وهو ما يسعى المركز لترسيخه. 

جمع أحاديث إمام أهل مصر في كتاب واحد

كان قد كشف الكاتب أحمد المسلماني رئيس الهيئة الوطنية للإعلام، عن مشروع مسند الإمام الليث وقال، إننا نعمل علي تعزيز المدرسة المصرية في كل المجالات، وفي مقدمتها العلوم والتراث، وتعمل إذاعة القرآن الكريم حالياً بالتعاون وزارة الأوقاف ومع باحثين مختصين من داخل وخارج ماسبيرو علي إطلاق (مسند الإمام الليث).

وأضاف رئيس الوطنية للإعلام: لقد تحدثت مع وزير الأوقاف عن هذا العمل التاريخي، وقد كان الدكتور عبد الله شحاته في كتابه (الإمام المصري الليث بن سعد) الصادر قبل ربع القرن قد ذكر أن الليث قد روى 916 حديثاً في البخاري ومسلم والنسائي، ولو أحصينا كل ما جاء في كتب السنة سنكون إزاء مسند الإمام الليث.

واختتم المسلماني: لقد حان الوقت لجمع أحاديث إمام أهل مصر في كتاب واحد. قديما قال الإمام الشافعي : الليث أفقه من مالك لولا أن أهله ضيعوه، واليوم ننتبه إلى كلمة الإمام الشافعي .. ونعمل على استعادة علم الإمام وفضله.

الليث بن سعد أفقه من مالك

في الخامس عشر من شعبان لعام 175 توفي في مصر، عن 81 سنة، الإمام الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفَهْمي القيسي، إمام أهل مصر في الفقه والحديث، قال عنه الشافعي رضي الله عنه: الليث بن سعد أفقه من مالك، إلا أن أصحابه لم يقوموا به.

ولد الإمام الليث بن سعد سنة 94 في قَلْقَشَندَة، وهي قرية تقع شمالي القاهرة إلى الجنوب من مدينة طوخ بمحافظة القليوبية في مصر، وأصل أسرته من موالي أصفهان، وطلب العلم في مصر، ثم رحل إلى الحج سنة 113، وسمع من نافع مولى عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما، وعطاء بن أبي رباح وابن أبي مليكة وابن شهاب الزهري. قال الليث: كتبت من علم محمد ابن شهاب الزهري علماً كثيراً، وطلبت ركوب البريد إليه إلى الرصافة، فخفت أن لا يكون ذلك لله تعالى فتركته.

وكان معه في هذه الحجة زميله المحدث الإمام عبد الله بن لَهِيعة بن عقبة بن فَرعان الحضرمي المصري، المولود سنة 97 والمتوفى سنة 174، وجرت فيها طرفة من عمل المحدِّثين، قال الليث: حججت أنا وابن لهيعة فرأيت نافعاً مولى ابن عمر فدخلت معه إلى دكان علاف، فقال: من أين؟ قلت: من أهل مصر، قال: ممن؟ قلت: من قيس. قال: ابن كم؟ قلت: ابن عشرين، قال: أما لحيتك فلحية ابن أربعين! وحدثني. فمر بنا ابن لهيعة، فقال: من هذا؟ قلت: مولي لنا. فلما رجعنا إلى مصر، جعلت أحدث عن نافع فأنكر ذلك ابن لهيعة وقال: أين لقيته؟ قلت: أما رأيت العبد الذي كان في دكان العلاف؟ هو ذاك!

ما رأينا أحدا قط أفقه من الليث

واتضحت معالم مكانته العلمية وهو في أول شبابه، قال شرحبيل بن جميل بن يزيد مولى شرحبيل بن حسنة: أدركتُ الناس أيام هشام بن عبد الملك بن مروان،  وكان الليث بن سعد حدث السن، وكان بمصر عبيد الله بن جعفر وجعفر بن ربيعة والحارث بن يزيد ويزيد بن أبي حبيب وابن هبيرة وغيرهم من أهل مصر، ومن يقدم علينا من فقهاء المدينة، وإنهم ليعرفون لليث فضله وورعه وحسن إسلامه على حداثة سنِّه.

ثم أصبح الليث بن سعد عالماً يشار إليه بالبنان، بل ويجعله بعض أهل حقبته مقدماً على الإمام مالك رحمه الله تعالى، وقد مرَّ قول الشافعي في هذا، وكان تلميذ الإمام مالك عبدُ الله بن وهب الفهري، المتوفى في مصر سنة 197 عن 72 عاماً، تُقرأ عليه مسائل الليث، فمرت به مسألة فقال رجل من الغرباء: أحسن والله الليث، كأنه كان يسمع مالكا يجيب فيجيب هو. فقال ابن وهب للرجل: بل كان مالك يسمع الليث يجيب فيجيب هو، والله الذي لا إله إلا هو ما رأينا أحدا قط أفقه من الليث! وقال ابن وهب رحمه الله: كلُّ ما كان في كتب مالك: وأخبرني من أثق به من أهل العلم؛ فهو الليث بن سعد.

وتأسف الشافعي على أن فاته لقاء هذا الإمام الكبير، وعبر عن حسرته أن سبقته يد المنية إلى الليث فحالت دون لقائهما، قال يونس بن عبد الأعلى: قال الشافعي: ما اشتدَّ عليّ موت أحد من العلماء مثل موت الليث بن سعد. وقال الشافعي: الليث بن سعد أتبع للأثر، أي الحديث، من مالك بن أنس.

قال يحيى بن عبد الله بن بكير المولود سنة 154 والمتوفى سنة 231: ورأيتُ من رأيت فلم أرى أحدا أكمل من الليث بن سعد، كان فقيه البدن، عربي اللسان، يحسن القرآن والنحو، ويحفظ الشعر والحديث، حَسَن المذاكرة. وما زال يذكر خصالا جميلة ويعقد بيده، حتى عقد عشرة، ثم قال: لم أر مثله.

وقال أبو محمد ابن أبي القاسم: قلت لليث بن سعد: أمتع الله بك يا أبا الحارث، إنا نسمع منك الحديث ليس في كتبك، قال: أو كل ما في صدري في كتبي؟! لو كتبت ما في صدري ما وسعه هذا المركب.

مؤسس الأوقاف بمصر

الليث مؤسس الأوقاف بمصر، ذكر بلديُّه القلقشندي في صبح الأعشى الوظائف الدينية في مصر في ذكر ناظر الأوقاف الخيرية فقال:  نظرُ الأحباس المبرورة، وهي وظيفة عالية المقدار، وموضوعها أن صاحبها يتحدث في رزق الجوامع و المساجد والربط والزوايا والمدارس من الأرضين المفردة لذلك من نواحي الديار المصرية خاصةً، وما هو من ذلك على سبيل البر و الصدقة لأناس معينين، وأصل هذه الوظيفة أن الليث بن سعد رحمه الله اشترى أراضي من بيت المال في نواحٍ من البلدان وحبسها على وجوه البر، وهي المسماة في ديوان الأحباس؛ وجوه العين، ثم أضيف إلى ذلك الرباع والدور المعروفة بالفسطاط وغيره.

تم نسخ الرابط