عاجل

السودان على حافة الانفجار.. كيف ينعكس الصراع على الأمن المصري؟

الصراع في السودان
الصراع في السودان

مع احتدام الصراع المسلح في السودان واستمراره لأكثر من عامين دون أفق واضح للحل، لم تعد تداعيات الحرب محصورة داخل الحدود السودانية، بل امتدت لتفرض نفسها بقوة على معادلات الأمن الإقليمي، وفي مقدمتها الأمن القومي المصري، وخاصة وأن السودان، بوصفه البوابة الجنوبية لمصر وعمقها الاستراتيجي في إفريقيا، يشكّل استقراره عاملًا حاسمًا في حماية الحدود، وتأمين نهر النيل، وضبط توازنات البحر الأحمر والقرن الإفريقي. 

كيف ينعكس الصراع على الأمن القومي المصري؟

ومع تصاعد القتال، وتزايد مخاطر التفكك، وتنامي التهديدات العابرة للحدود من تهريب وإرهاب ونزوح جماعي، تبرز المخاوف من أن يتحول الصراع السوداني إلى أحد أخطر التحديات المباشرة التي تواجه الأمن المصري في لحظة إقليمية شديدة الاضطراب، وفي التقرير التالي يرصد لكم موقع نيوز رووم، كيف ينعكس الصراع في السودان على الأمن القومي المصري؟:

فمن جانبه أكد اللواء محمد عبد الواحد، الخبير العسكري، أن وحدة وسلامة السودان تمثل امتدادًا مباشرًا لوحدة وسلامة الأمن القومي المصري، مشددًا على أن الأمن القومي للبلدين مرتبط ارتباطًا وثيقًا ولا يمكن فصلهما عن بعضهما البعض، في ظل عوامل الجوار الجغرافي والحدود المشتركة والمصالح الاستراتيجية المتداخلة.

اضطراب السودان له تأثير مباشر على الداخل المصري

وأوضح عبد الواحد أن مصر والسودان تربطهما حدود مشتركة تمتد لنحو 1100 كيلومتر، وهو ما يجعل أي اضطراب أمني داخل السودان ذا تأثير مباشر على الداخل المصري، لافتًا إلى أن هذا الارتباط لا يقتصر فقط على الجغرافيا، بل يشمل أيضًا علاقات تاريخية وحضارية ممتدة، إلى جانب مصالح اقتصادية وجيوسياسية مشتركة، ومواقف سياسية متبادلة تقوم على دعم كل طرف للآخر في القضايا المصيرية.

وأشار الخبير العسكري إلى أن ملف مياه النيل يأتي في مقدمة التحديات المشتركة بين البلدين، مؤكدًا أن التهديدات التي تطال هذا الملف تمس الأمن القومي لكل من مصر والسودان في آنٍ واحد، وهو ما يفسر حرص القاهرة الشديد على الحفاظ على استقرار السودان ووحدته كدولة قوية قادرة على مساندة مصر في هذا الملف الحيوي.

وحذر عبد الواحد من أن أخطر التهديدات التي قد تنجم عن أي حالة فوضى داخل السودان تتمثل في المخاطر الحدودية، موضحًا أن طول الحدود يجعل من الصعب السيطرة عليها في ظل غياب الاستقرار، وهو ما قد يؤدي إلى تدفقات كبيرة من اللاجئين، فضلًا عن احتمالات تسلل عناصر إرهابية أو جماعات إجرامية منظمة عبر ممرات التهريب القادمة من ليبيا أو تشاد أو عبر الساحل الإفريقي.

تنامي أنشطة الهجرة غير الشرعية والجريمة العابرة للحدود

وأضاف أن المخاطر لا تقتصر فقط على الإرهاب، بل تشمل أيضًا تنامي أنشطة الهجرة غير الشرعية والجريمة العابرة للحدود، مؤكدًا أن كل هذه التهديدات تمثل عبئًا مباشرًا على الأمن القومي المصري.

وشدد اللواء محمد عبد الواحد على أن سيناريو تقسيم السودان يُعد من أخطر السيناريوهات المطروحة، مؤكدًا أن أي مساس بوحدة الدولة السودانية يفتح الباب أمام إنشاء كيانات هشة أو شبه دول على الحدود الغربية والجنوبية، وهو ما يعني فتح ممرات تهريب غير منضبطة تمثل تهديدًا بالغ الخطورة على مصر.

وأكد أن وجود دولة سودانية قوية وموحدة يعد ضرورة استراتيجية لمصر، ليس فقط لحماية الحدود، ولكن أيضًا للحفاظ على توازن شبكة العلاقات الإقليمية، محذرًا من أن تفكك السودان قد يعيد تشكيل التحالفات الإقليمية بطريقة تضر بالمصالح المصرية، خاصة في ما يتعلق بعلاقات بعض الأطراف مع إثيوبيا، بما قد يشكل ضغطًا إضافيًا على القاهرة في ملف مياه النيل.

استقرار السودان يمثل ركيزة أساسية للأمن الإقليمي

وفي السياق ذاته، أوضح الخبير العسكري أن استقرار السودان يمثل ركيزة أساسية للأمن الإقليمي، لافتًا إلى أن أي حالة فوضى داخله قد تمتد إلى الإقليم بأكمله، خاصة وأن المنطقة تُعد من أكثر مناطق العالم هشاشة، وتشهد نزاعات حدودية ونزعات انفصالية، إلى جانب معدلات مرتفعة من الفقر والبطالة، ما يجعلها بيئة خصبة لعدم الاستقرار.

واختتم اللواء محمد عبد الواحد تصريحاته بالتأكيد على أن دعم مصر لمؤسسات الدولة السودانية والحفاظ على استقرارها ليس خيارًا، بل ضرورة استراتيجية لحماية الأمن القومي المصري وضمان استقرار الإقليم بأكمله.

ومن جانبه قال الدكتور رمضان قرني، الخبير في الشأن الأفريقي، إن الحديث عن انعكاسات الصراع في السودان على الأمن القومي المصري، خاصة بعد مرور أكثر من عامين ونصف على اندلاع هذا الصراع، هو حديث متشعب بدرجة كبيرة، ويرجع ذلك بالأساس إلى التطور الذي شهده مفهوم الأمن القومي ذاته.

تأثير الصراع في السودان على الأمن القومي المصري

وأوضح قرني في تصريحات خاصة لـ نيوز رووم، أن مفهوم الأمن القومي لم يعد يقتصر على الأبعاد الأمنية التقليدية أو العسكرية فقط، بل أصبح يشمل أبعادًا سياسية وتنموية وثقافية، إلى جانب أبعاد القوة الناعمة، التي باتت جميعها جزءًا أصيلًا من مفهوم الأمن القومي في صورته الحديثة. وفي هذا الإطار، يمكن رصد سلسلة من المتغيرات المهمة التي تؤثر بدرجة كبيرة على الأمن القومي المصري نتيجة الصراع الدائر في السودان.

الحرب كشفت بدرجة كبيرة عن الأهمية الجيوستراتيجية للسودان

وأشار الخبير في الشأن الأفريقي إلى أن المتغير الأول يتمثل في أن الحرب في السودان كشفت بدرجة كبيرة عن الأهمية الجيوستراتيجية لهذا البلد، وهي أهمية ربما كانت مغفلة إلى حد كبير في الأدبيات السياسية قبل اندلاع الحرب، إلا أنه مع اندلاع الصراع أصبح الفكر السياسي الدولي، وكذلك الفكر السياسي العربي، أكثر إدراكًا لحجم وأهمية السودان من الناحية الاستراتيجية، لافتا إلى أن التركيز على السودان في مراحل سابقة كان ينصب في الغالب على البعد الاقتصادي، خاصة ما يتعلق بمفهوم “سلة غذاء العالم العربي”، غير أن الحرب كشفت هذه الأهمية الاستراتيجية بشكل أوضح، لا سيما إذا أخذنا في الاعتبار أن تأثيرات الحرب تمس قرابة ثماني دول من دول الجوار المباشر للسودان، فضلًا عن امتداد آثار الصراع إلى مناطق إقليمية أبعد من حدوده الجغرافية.

وأضاف قرني أن المتغير الثاني، في تصوره، لا يقل أهمية، ويتمثل في دور مصر باعتبارها دولة كبرى في الإقليم، سواء في منطقة حوض النيل أو شرق أفريقيا، إضافة إلى النظر إلى وضعية السودان كأحد امتدادات منطقة القرن الأفريقي بالمعنى الشامل، ومن ثم، فإن تأثيرات الأزمة السودانية على الأمن القومي المصري، أو على رؤية الأمن القومي المصري في إطارها الشامل، لا تتوقف عند حدود السودان فقط، وإنما تمتد لتشمل البحر الأحمر شرقًا، ومنطقة القرن الأفريقي، ومنطقة الساحل والصحراء غربًا، فضلًا عن الامتدادات الجنوبية للسودان التي تتجاوز دولة جنوب السودان إلى دول أخرى. ووفقًا لهذه الرؤية الشاملة، يرى قرني أن تأثيرات الصراع أبعد بكثير من حدود السودان.

الحرب في السودان مست الأسر المصرية بشكل مباشر

وأوضح الخبير في الشأن الأفريقي، أن المتغير الثالث يتمثل في طبيعة العلاقات الثقافية والشعبية بين الجانبين المصري والسوداني، مشيرًا إلى أن الأدبيات السياسية والشعبية كثيرًا ما تستخدم مصطلحًا بالغ الدلالة، وهو أن “مصر والسودان شعب واحد في بلدين”، وهي مقولة تختزل بدرجة كبيرة تاريخ العلاقات بين البلدين، وتعكس عمق الروابط الثقافية والإنسانية، وحتى علاقات النسب والمصاهرة، وبناءً على ذلك، يمكن الجزم بأن تأثيرات الحرب في السودان مست الأسر المصرية بشكل مباشر، قبل أن تمس الدولة المصرية على المستوى الاستراتيجي.

وبالنظر إلى التأثيرات المباشرة للحرب في السودان على الأمن القومي المصري، أشار قرني إلى أنه يمكن رصد ما بين ستة إلى سبعة تأثيرات واضحة، يأتي في مقدمتها أن السودان يمثل أمنيًا البوابة الجنوبية للأمن القومي المصري، ومن ثم فإن استقرار هذه البوابة أو استقرار الدولة السودانية يعني استقرار حدود مصر الجنوبية، مضيفًا أن ذلك يأتي في ظل أوضاع إقليمية شديدة الاشتعال، حيث تمثل الدائرة الشرقية، في ظل الحرب الإسرائيلية على غزة ومحاولات التهجير المستمرة، تهديدًا قويًا للبوابة الشرقية للأمن القومي المصري، كما أن الأوضاع في ليبيا، وغياب الدولة، وانتشار الميليشيات والتنظيمات المختلفة، تمثل تهديدًا للبوابة الغربية. وفي هذا السياق، فإن استمرار الصراع في السودان لأكثر من عامين ونصف يمثل بدوره تهديدًا مباشرًا للبوابة الجنوبية للأمن القومي المصري.

تحقيق توافق مصري سوداني

وأوضح أن التأثير الأول، بتعبير دقيق، يتمثل في “شد أذرع” الدولة المصرية في مواجهة هذه التهديدات الخطيرة، أما التأثير الثاني، فيرتبط بعامل وجودي بالغ الأهمية، وهو نهر النيل، مؤكدًا أن التنسيق بين مصر والسودان في هذا الملف مسألة محورية، وأن أحد الإيجابيات النسبية التي أفرزتها الحرب، مقارنة بالفترات السابقة، هو ارتفاع مستوى التنسيق المصري السوداني بشأن ملف سد النهضة الإثيوبي وتهديداته للأمن المائي للبلدين، خاصة بعد أن أدركت الحكومة السودانية والجيش السوداني والمؤسسات الرسمية خطورة السد، لا سيما في ضوء التأثيرات التي طالت السدود السودانية نتيجة غياب التنسيق مع الجانب الإثيوبي، ويرى قرني أن هذا التطور أسهم بدرجة كبيرة في تحقيق توافق مصري سوداني مرتفع ومتماثل فيما يتعلق بالتهديدات الوجودية المرتبطة بسد النهضة.

تأثير الوجود العسكري الأجنبي في البحر الأحمر

وأشار قرني إلى تأثير ثالث يتعلق بأحد أهم الممرات الملاحية الدولية، وهو أمن البحر الأحمر، مؤكدًا أن هذا الملف يمثل مسألة شديدة الأهمية للأمن القومي المصري، نظرًا لارتباطه بأهم شريان للتجارة العالمية، وهو قناة السويس، فضلًا عن ارتباطه بالبوابة الشرقية لمصر. وبالتالي، فإن أي تهديدات أمنية في هذه المنطقة تؤثر بشكل مباشر على الأمن القومي المصري، وهو ما يفسر حرص مصر على استقرار البحر الأحمر واستقرار الأوضاع في منطقة قناة السويس، في ظل الأوضاع الراهنة في السودان، لا يُستبعد سعي بعض القوى الإقليمية والدولية إلى تعزيز وجودها العسكري في منطقة البحر الأحمر، سواء من خلال اتفاقيات عسكرية أو قواعد أو منشآت بحرية ولوجستية، وهو ما ظهر في محاولات من روسيا وتركيا وإيران لإقامة أشكال مختلفة من التعاون مع السودان، مشيرًا إلى أن هذا الوجود العسكري الأجنبي له تأثير مباشر على الأمن القومي المصري.

كما أشار إلى قضية لا تقل أهمية، وهي أن الدولة السودانية تمر بحالة “شد أذرع” على جبهات متعددة، حيث تواجه مواجهة عسكرية مباشرة مع قوات الدعم السريع المدعومة لوجستيًا وعسكريًا من أطراف خارجية، إلى جانب تهديدات خطيرة في غرب السودان، واحتمالات التقسيم في كردفان ودارفور، واستهداف المنشآت النفطية في مناطق مثل هجليج، فضلًا عن أعباء تأمين الحدود مع عدد كبير من دول الجوار. وأكد أن هذه التحديات تمثل أعباء شديدة الخطورة على المؤسسة الأمنية السودانية، ومن ثم، وفي ظل هذه الأوضاع، يصبح من المرجح أن يتحول السودان، بشكل أو بآخر، إلى ساحة لانتشار التنظيمات الإرهابية، خاصة في ظل ملاصقته لدول تشهد نشاطًا لتنظيمات مثل القاعدة وداعش، محذرًا من خشية انتقال هذه التنظيمات إلى مصر نتيجة سيولة الحدود السودانية، وهو ما يمثل تهديدًا أمنيًا ووجوديًا بالغ الخطورة للأمن القومي المصري.

الضغوط الاقتصادية الناتجة عن وجود ملايين جدد من النازحين أو اللاجئين

وأضاف الخبير في الشأن الأفريقي، أن هناك مسألة أخيرة في غاية الأهمية، تتعلق بالتأثيرات الاقتصادية والسياسية والأمنية لاستقبال مصر لملايين النازحين السودانيين، حيث كانت مصر الوجهة الأولى للمواطنين السودانيين نتيجة القرب الجغرافي، وروابط النسب والمصاهرة، والبعد الثقافي والتاريخي بين البلدين، فضلًا عن وجود معابر برية ونهرية ساعدت على هذا التدفق، كاشفًا أن هذه الأعداد الكبيرة، رغم البعد الإنساني، قد تتضمن بعض العناصر المناوئة أو التي تتخذ مواقف معادية لمصر، وهو ما يشكل عنصرًا أمنيًا مهمًا، فضلًا عن الضغوط الاقتصادية الناتجة عن وجود ملايين جدد من النازحين أو اللاجئين، خاصة في ظل وجود ما يتراوح بين 12 إلى 14 مليون شخص تُطلق عليهم الدولة المصرية وصف “الضيوف”، وهو ما يمثل عبئًا كبيرًا على موارد الدولة والخدمات المقدمة، وله تأثير مباشر على الأمن القومي المصري في رؤيته الاستراتيجية الشاملة.

تقسيم السودان

واختتم الدكتور رمضان قرني بالإشارة إلى قضية لا تقل خطورة عن كل ما سبق، وهي تداعيات الحرب في السودان على مستقبل السودان نفسه، موضحًا أن المؤشرات على أرض الواقع، في ضوء سيطرة قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر ثم إقليم دارفور، وتموضعها سابقًا في معظم إقليم كردفان، تشير إلى سيناريو بالغ الخطورة يتمثل في احتمالات تقسيم السودان، وأكد أن سيطرة الدعم السريع على كردفان ودارفور، أي غرب السودان، قد تفضي إلى تأثيرات شديدة الخطورة على الأمن القومي المصري، خاصة في ظل سيطرتها على المثلث الحدودي بين مصر والسودان وليبيا، واحتمالات تحرك هذه القوات نحو الولاية النيلية أو الولاية الشمالية الموازية للحدود المصرية. وأضاف أن التوجهات السياسية لقوات الدعم السريع، التي تتسم بالعداء لمصر، وعلاقاتها الاستراتيجية مع إثيوبيا، قد تشكل ضررًا مباشرًا على الأمن المائي المصري، مؤكدًا أن ملف تقسيم السودان يبرز باعتباره أخطر الملفات التي يمكن أن تؤثر سلبًا وبشكل مباشر على الأمن القومي المصري.

تم نسخ الرابط