ما عقوبة الابن العاق لوالديه.. وما كيفية التوبة؟.. دار الإفتاء توضح
أكدت دار الإفتاء أن عقوق الوالدين من أعظم الذنوب وأكبر الكبائر التي شدد الشرع الشريف على تحريمها، ورتب عليها وعيدًا شديدًا في الدنيا والآخرة، لما فيها من قطيعة وجحود لأعظم أسباب الإحسان والرحمة في حياة الإنسان.
خطورة عقوق الوالدين
وأوضحت أن النبي صلى الله عليه وسلم نبَّه إلى خطورة هذا الذنب في أحاديث كثيرة، من بينها قوله ﷺ:
«ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟» قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «الإشراك بالله، وعقوق الوالدين…» الحديث، مما يدل على أن العقوق يأتي في مرتبة خطيرة تلي الشرك بالله في التحذير والوعيد.
وبيّنت دار الإفتاء أن العقوق ليس مجرد تصرّف عابر أو إساءة لفظية، بل هو كل أذى يلحق بالوالدين قولًا أو فعلًا، أو تقصير في حقهما، أو امتناع عن برّهما مع القدرة على ذلك، وهو محرَّم شرعًا وإثمٌ جسيم يعاقب عليه الشرع.
واستشهدت بما ورد في القرآن الكريم من تحذير شديد من قطع الأرحام والإفساد، قال الله تعالى:
﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ﴾، مشيرة إلى أن عقوق الوالدين من أعظم صور قطيعة الرحم التي توعّد الله أصحابها بالعقوبة.
كما أوضحت أن العقوق جاء ضمن الذنوب التي توعّد أصحابها بحرمانهم من أعظم الكرامات يوم القيامة، فقد ورد في الحديث الشريف أن من الثلاثة الذين لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: العاق لوالديه، لما في فعله من جحود وكسر للرحمة التي أمر الله بحفظها.
وأكدت دار الإفتاء أن باب التوبة مفتوح لكل من وقع في هذا الذنب، بشرط الصدق في التوبة، والإقلاع عن العقوق، والرجوع إلى بر الوالدين والإحسان إليهما، وطلب رضاهما ما أمكن، مشددة على أن بر الوالدين من أعظم أسباب رضا الله، وطول العمر، وسعة الرزق، وحسن الخاتمة
ما حكم مناداة الإنسان لوالده باسمه مجردًا.. وهل يعد من عقوق الوالدين ؟
أكدت دار الإفتاء أن مناداة الإنسان أحد والديه باسمه مجردًا حرامٌ إذا كان الوالد يكره ذلك أو يتأذى منه، وهو من العقوق، ويكون مباحًا إن كان هذا سائغًا مقبولًا في العُرف ولا يُقصد منه إساءة ولا يكرهه الوالد، وإن كان الأولى والأكمل والأفضل والمناسب للأدب المطلوب مع الوالد في هذه الحالة أن يحفظ ولده له قدره ومكانته ولا يناديه باسمه مجردًا.
حث الشرع الشريف على توقير واحترام الكبير
الأدب من أهم قواعد التعامل التي قررتها الشريعة الإسلامية، ومن الأدب أن يتعامل الإنسان مع من يَكْبُرُه سِنًّا أو علمًا أو منزلةً أو غير ذلك بالتَّوْقِير والاحترام اللائقين بما يُناسب قَدْره ومنزلته، وقد علَّمَنا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن التأدُّب مع الكبير من هَدْيِه الشريف، وتاركه لا شك مخالف لهذا الهدي، فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا» رواه الترمذي في سننه واللفظ له، والإمام أحمد في مسنده، ومعنى التوقير المأمور به في هذا الحديث الشريف أن يُعطيَ الإنسان لِذَوِي الشرف والمنزلة حقَّهم بما يتناسب مع أقدَارِهم، سواء كان هذا الشرف وتلك المكانة لنحو سِنٍّ أو عِلمٍ أو غير ذلك.
قال العلامة زين الدين المناوي في “فيض القدير”: ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا، الواو بمعنى أو، فالتحذير من كل منهما وحده، فيتعيَّن أن يُعامِل كلًّا منهما بما يليق به؛ فيُعطي الصغير حقه من الرفق به والرحمة والشفقة عليه، ويُعطي الكبير حقه من الشرف والتوقير.
وجوب بر الوالدين في الإسلام والتحذير من عقوقهما
إذا كان الإنسان مأمورًا بتوقير وإجلال من هو أكبر منه، فإن أولى الناس بهذا الإجلال والتوقير والداه، فقد جمعا بين الكبَر والتفضل على الابن، بالإضافة إلى أن الشريعة قد أمرت بإكرامهما وإجلالهما.
ولا خلاف أنَّ عقوق الوالدين أو أحدهما من كبائر الذنوب؛ فعن أنسٍ رضي الله عنه، قال: سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم عن الكبائر، قال: «الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ» متفقٌ عليه.
كما أن طاعتهما وبرهما والإحسان إليهما وحسن معاملتهما أمورٌ واجبة مؤكدة جاءت مقرونة بتوحيد الله عزَّ وجلَّ؛ قال تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾ [الإسراء: 23].
حكم مناداة الإنسان لوالده باسمه مجردًا ونصوص العلماء الواردة في ذلك
إذا نادى الإنسان أحدَ والديه باسمه مجردًا، وكان الوالد يكره ذلك؛ فإن فعله هذا داخلٌ في العقوق؛ لأنه يعد مُسِيئًا للأدب مع والده مجافيًا له، ويكون قوله غير كريم، وهو خلاف ما أمر القرآن الكريم به.
قال الإمام القرطبي في “الجامع لأحكام القرآن”: ﴿وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾، أي: لينًا لطيفًا، مثل: يا أبَتَاه ويا أُمَّاه، من غير أن يُسَمِّيَهُمَا. وقد جاء مرفوعًا عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ، وَمَعَهُ شَيْخٌ، فَقَالَ: «يَا فُلَانُ، مَنْ هَذَا مَعَكُمْ؟» قال: أبي، قال: «فَلَا تَمْشِ أَمَامَهُ، وَلَا تَجْلِسْ قَبْلَهُ، وَلَا تَدْعُهُ بِاسْمِهِ، وَلَا تَسْتَسِبَّ لَهُ». فكأنه يشير إلى تضعيفه.



