عاجل

تتزايد في الآونة الأخيرة حوادث تعدّي بعض أولياء الأمور على المعلّمين داخل المدارس، في مشهد لا يهدد فقط كرامة المعلّم، بل يهزّ مكانة المؤسسة التعليمية بأكملها. هذه الظاهرة، التي كان يُنظر إليها باعتبارها استثناءً فردياً، باتت تتكرر بصورة تثير القلق، وتستدعي تدخلاً عاجلاً من وزارة التربية والتعليم لحماية المعلّم ولإعادة الانضباط إلى البيئة المدرسية.
إنّ المعلّم لم يكن يوماً مجرد موظف يؤدي وظيفة يومية، بل هو حجر الزاوية في بناء الإنسان. وكل اعتداء يقع عليه، لفظياً كان أو جسدياً، يمثل طعنة مباشرة في قلب العملية التعليمية. ولعلّ أخطر ما في الأمر أن بعض هذه الاعتداءات تحدث أمام الطلاب، مما يرسّخ في أذهانهم صورة مشوهة عن مكانة المعلّم ويقوّض منظومة الاحترام التي يفترض أن تقوم عليها العملية التعليمية.
تعود أسباب الظاهرة إلى عوامل عدة، منها زيادة الاحتقان المجتمعي، وتأثر بعض أولياء الأمور بخطاب استهلاكي يعتبر المعلّم «مقدّم خدمة» بدلاً من كونه صاحب رسالة، إضافة إلى ضعف القوانين الرادعة في بعض الأحيان، وغياب إجراءات وقائية واضحة داخل المدارس. كما أسهم توسّع استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في تضخيم مشكلات بسيطة وتحويلها إلى صدامات مفتوحة، بدلاً من معالجتها عبر قنوات إدارية هادئة.
ورغم الجهود التي تبذلها وزارة التربية والتعليم، فإن الحاجة باتت ملحة لاتخاذ إجراءات أكثر صرامة لحماية العاملين في الحقل التعليمي. فسنّ تشريعات واضحة تُجرّم الاعتداء على المعلّم، وفرض عقوبات مالية وقانونية، وتفعيل الدور الأمني داخل المدارس عند الضرورة، كلها خطوات ينبغي أن تكون جزءاً من استراتيجية شاملة تعيد الانضباط وتمنع تكرار هذه الحوادث. كما يمكن إنشاء وحدات مختصة لحلّ النزاعات بين أولياء الأمور والمعلمين قبل تفاقمها، واعتماد بروتوكولات واضحة للزيارات المدرسية بما يحقق الانضباط ويحافظ على العملية التعليمية.
لكن حماية المعلّم ليست مسؤولية الوزارة وحدها؛ فالمجتمع كله مطالب بإعادة الاعتبار إلى قيمة المعلّم ودوره. الإعلام بدوره يجب أن يتخلى عن الصورة النمطية السلبية التي كُرّست عبر السنوات، وأن يسهم في نشر الوعي بأهمية احترام المعلم ودعمه. كما أن الأسرة مطالبة بأن تكون شريكاً إيجابياً في العملية التعليمية، لا طرفاً يصعّد الخلافات ويقوّض جهود المربين.
إنّ استعادة هيبة المعلّم ليست مطلباً فئوياً، بل ضرورة وطنية. فلا يمكن أن نرجو جيلاً واعياً ومتعلمًا في ظل بيئة تُهان فيها أهم ركائز التعليم. وعندما يشعر المعلّم بالأمان والدعم، سينعكس ذلك مباشرة على جودة أدائه، وعلى انضباط الطلاب، وعلى استقرار المدرسة ككيان تربوي وثقافي. إنّ هيبة المعلّم هي هيبة الدولة نفسها، وعودتها ليست حلماً بعيداً، بل خطوة تبدأ بإرادة واضحة، وتشريعات رادعة، وتضامن مجتمعي يعيد للتعليم قدسيته، وللمدرسة مكانتها، وللمعلّم احترامه المستحق.

تم نسخ الرابط