الخامسة والسادسة.. هل تؤدي مراجعات صندوق النقد لاستقرار الأسعار أم موجة غلاء؟
تدخل مصر مرحلة حاسمة في مسار برنامج الإصلاح الاقتصادي مع بدء المراجعتين الخامسة والسادسة لصندوق النقد الدولي، وهي مراجعات تأتي في لحظة دقيقة تتزامن مع تحولات عالمية في أسواق المال والطاقة، وضغوط داخلية تتطلب المزيد من الانضباط المالي والسياسات الحذرة.
المراجعتين الخامسة والسادسة
وتُعد هذه المراجعات بمثابة اختبار لمدى التزام الدولة بتطبيق الإصلاحات الهيكلية المتفق عليها، وقدرتها على تحقيق توازن بين متطلبات التصحيح الاقتصادي وحماية المواطنين من آثار التضخم.
وفي الوقت ذاته، تحمل نتائج المراجعتين رسائل بالغة الأهمية لأسواق الاستثمار وللمؤسسات الدولية، كونها تحدد بشكل كبير مستقبل تدفقات التمويل والاستثمار في مصر خلال الفترة المقبلة.
تأثير المراجعتين على الاقتصاد المصري
وفي التقرير التالي يرصد لكم موقع "نيوز رووم"، تأثير المراجعتين على الاقتصاد المصري وهل تؤدي مراجعات صندوق النقد لاستقرار الأسعار أم موجة غلاء؟:
قال الدكتور خالد الشافعي، الخبير الاقتصادي، إن نتائج المراجعتين الخامسة والسادسة بين مصر وصندوق النقد الدولي ستعتمد بشكل كامل على مدى التزام الحكومة ببنود الاتفاق وبرنامج الإصلاح المتفق عليه مسبقًا.
وأوضح الشافعي في تصريحات خاصة لـ نيوز رووم، أن أي رفع جديد لأسعار المحروقات أو الطاقة أو الكهرباء خلال الفترة المقبلة سيترك أثرًا سلبيًا مباشرًا على المواطنين، بينما سيُعد ثبات الأسعار وعدم زيادتها مؤشرًا إيجابيًا يخفف من الأعباء الاقتصادية عن الشارع المصري.
إجراءات الإصلاح الهيكلي
وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن صندوق النقد يقوم في كل مراجعة بتقييم ما تم تنفيذه من التزامات، وفي مقدمتها إجراءات الإصلاح الهيكلي، وملف بيع بعض الشركات الحكومية، ومدى التقدم في برنامج الإصلاح المالي والإداري.
وأكد الشافعي أن الزيادات الأخيرة في أسعار الكهرباء تمت بالفعل خلال الشهر الماضي، ولا توجد – حتى الآن – أي مؤشرات على زيادات جديدة في عام 2026، مشددًا على أن الحكومة ستكون مخطئة إذا لجأت إلى رفع أسعار الكهرباء أو المحروقات في الفترة المقبلة، خاصة مع تشكيل حكومة جديدة قريبًا، ورغبة الدولة في تعزيز شعور المواطن بثمار الإصلاح الاقتصادي.
وأضاف أن الاقتصاد المصري بدأ يتحرك وفق توجهات رئاسية واضحة ترتكز على التوسع في المحاور التنموية، وتوطين الصناعة، وجذب استثمارات جديدة، وهي توجهات لا ترتبط مباشرة بصندوق النقد.
واختتم الشافعي حديثه قائلاً إن المواطن يجب أن يكون آخر من يتحمل أي أعباء إضافية، وأن المرحلة القادمة يجب أن تركز على تحقيق مكاسب يشعر بها المواطن بشكل ملموس، حتى ينعكس أثر الإصلاح الاقتصادي بشكل إيجابي وحقيقي على حياته اليومية.
خطوة إيجابية تصب في صالح الاقتصاد المصري
قال الدكتور أحمد خطاب، الخبير الاقتصادي، إن الاجتماع الأخير بين الحكومة وصندوق النقد الدولي لمناقشة المراجعتين الخامسة والسادسة يُعد خطوة إيجابية تصب في صالح الاقتصاد المصري، مؤكداً أن نتائج المراجعتين ستكون داعمة لمسار الإصلاح الاقتصادي.
وأوضح خطاب، في تصريحات خاصة لـ "نيوز رووم"، أن الحكومة أعلنت بوضوح حاجتها إلى تمويلات دولية طويلة الأجل خلال المرحلة المقبلة، لاستكمال عدد من المشروعات القومية، ولا سيما مشروعات البنية التحتية التي تُعد ركيزة أساسية في خطة التنمية.
وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن تنفيذ الحكومة لمتطلبات الصندوق—بما في ذلك إعادة هيكلة الدعم على المحروقات، والإصلاح الإداري والهيكلي، وتعزيز مبادئ الشفافية—يعزز من موقف مصر التفاوضي، خاصة بعد إتمام عدة صفقات كبيرة كان آخرها صفقة "علم الروم"، التي أسهمت في تحسين رؤية الصندوق للاقتصاد المصري.
المراجعتين لن يكون لهما أي تأثير سلبي على المواطنين
وأكد خطاب أن المراجعتين لن يكون لهما أي تأثير سلبي على المواطنين، بل على العكس، ستنعكس إيجابياً، إذ سيتم توجيه التمويلات المنتظرة إلى تطوير البنية التحتية من طرق وخدمات وقطارات وغيرها من المشروعات التي تعمل عليها الدولة خلال الفترة الراهنة.
قال الدكتور علي الإدريسي الخبير الاقتصادي، تمثل المراجعتان الخامسة والسادسة بين الحكومة المصرية وصندوق النقد الدولي محطة حاسمة في مسار برنامج الإصلاح الاقتصادي، فنجاح الحكومة في اجتيازهما يعكس قدرتها على الالتزام بالإجراءات المتفق عليها، ويبعث برسائل ثقة قوية للأسواق وللمؤسسات الدولية.
وأوضح الإدريسي، في تصريحات خاصة لـ نيوز رووم، أن هذه المراجعات لا تُعد مجرد تقييم فني، بل تحمل رسائل ثقة قوية للأسواق الدولية، وتؤكد أن السياسة النقدية أصبحت أكثر انضباطًا، وأن الدولة تمضي في اتجاه تقليص عجز الموازنة، وتحسين إدارة سعر الصرف، ورفع كفاءة منظومة الدعم الموجه للفئات الأكثر احتياجًا.
استعادة الثقة دوليًا ومحليًا
وأشار الخبير الاقتصادي، إلى أن أهمية هذه المراجعات للاقتصاد المصري تظهر في ثلاثة مسارات رئيسية؛ أولها استعادة الثقة دوليًا ومحليًا بما ينعكس على زيادة تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر وغير المباشر، وهي عناصر بالغة الأهمية لتعويض الفجوة التمويلية. أما المسار الثاني فيتمثل في تحسين فرص الحصول على تمويل بشروط أفضل، إذ ينظر المجتمع الدولي إلى الدول التي تنجح في مراجعات الصندوق باعتبارها أقل مخاطرة وأكثر قدرة على الوفاء بالتزاماتها. بينما يرتبط المسار الثالث بـ تسريع الإصلاحات الهيكلية في مقدمتها تحسين بيئة الاستثمار، وتطوير قطاع الأعمال، وتمكين القطاع الخاص.
وحول تأثير المراجعات على حياة المواطن، أكد الإدريسي أن السؤال الأكثر تداولًا هو ما إذا كانت هذه الخطوة ستؤدي إلى موجة غلاء جديدة. لكنه شدد على أن الجزء الأكبر من الإجراءات القاسية — مثل تحرير سعر الصرف وزيادة أسعار الطاقة — تم اتخاذه قبل فترة، ما يعني أن الضغوط التضخمية الحادة لم تعد بالوتيرة نفسها.
وأضاف أن التزام الحكومة بالسياسة النقدية المنضبطة، إلى جانب تراجع معدلات التضخم العالمية واستقرار العملة نسبيًا، يجعل الفترة المقبلة أقرب إلى مرحلة احتواء الأسعار وليس انفجارها من جديد.
واختتم الإدريسي مؤكدًا أن نجاح المراجعتين يشكل تمهيدًا لمرحلة استقرار اقتصادي بشرط استمرار الانضباط المالي والنقدي، والتوسع في برامج الحماية الاجتماعية لضمان تحييد أي آثار جانبية قد تطال الفئات الأكثر هشاشة.