سورة السجدة في فجر الجمعة: ما حكم قراءة ﴿آلم تَنْزِيلُ﴾"؟
يعد قراءة سورتي السجدة والإنسان في فجر الجمعة من السنة المطهرة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان يقرأ سورتي السجدة والإنسان في فجر الجمعة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ في الجُمُعَةِ، في صَلاةِ الفَجْرِ: ﴿آلم تَنْزِيلُ﴾ السَّجْدَةِ و﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ﴾" أخرجه البخاري.
قراءة سورة السجدة في فجر الجمعة
وجاء أيضًا من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأُ في صَلاةِ الفَجْرِ يَوْمَ الجُمُعَةِ ﴿آلم تَنْزِيلُ﴾ السَّجْدَةَ وَ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ﴾، أخرجه مسلم.
قال الإمام ابن دقيق العيد في "إحكام الإحكام": [فيه دليل على استحباب قراءة هاتين السورتين في هذا المحل] اهـ.
وقد اختلفت أنظار الفقهاء في حكم قراءة سورتي السجدة والإنسان في فريضة فجر يوم الجمعة والمداومة على ذلك. فالمفهوم في الجملة من مذهب الحنفية والحنابلة استحباب قراءة هاتين السورتين مع كراهة المداومة عليهما، بحيث يفعلها المصلي أحيانًا ويتركها أحيانًا أخرى، تبرُّكًا بفعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
قال علاء الدين الحصكفي في "الدر المختار": [(ولا يتعين شيء من القرآن لصلاة على طريق الفرضية) بل تَعَيُّنُ الفاتحة على وجه الوجوب (ويكره التعيين) كالسجدة و﴿هَلْ أَتَى﴾ لفجر كل جمعة، بل يندب قراءتهما أحيانًا] اهـ؛ وذلك لأن مقتضى الدليل عدم المداومة لا المداومة على العدم، بل يستحب أن يقرأ بذلك أحيانًا تبرُّكًا بالمأثور، كما أفاد العلامة الكمال بن الهمام في "فتح القدير".
وقال العلامة البهوتي في "شرح منتهى الإرادات": [(و) يُسنُّ (أن يقرأ في فجرها) أي الجمعة (الٓمٓ السجدة وفي) الركعة (الثانية هل أتى) على الإنسان نصًّا لأنه صلى الله عليه وسلم كان يفعله: متفق عليه من حديث أبي هريرة: قال الشيخ تقي الدين لتضمنهما ابتداء خلق السماوات والأرض، وخلق الإنسان إلى أن يدخل الجنة أو النار (ويكره مداومته عليهما)].
كراهية تعمد قراءة آيات السجدة في الفريضة
بينما ذهب المالكية في معتمدهم إلى كراهية تعمد قراءة آيات السجدة في الفريضة مطلقًا الصبح أو غيرها ولو بلا مداومة؛ لأنه لو سجدها لزاد في عدد سجداتها، وإن لم يسجدها لدخل في اللوم المشار إليه في قوله تعالى: ﴿وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ﴾ [الانشقاق: 21]، فكان الأولى ترك قراءتها في الصلاة مطلقًا درءًا لهذا الأمر.
قال الشيخ الدردير في "الشرح الكبير" بحاشية الدسوقي: [(و) كره (تعمدها) أي السجدة أي قراءة آيتها (بفريضة) ولو صبح جمعة].
وقال العلامة الدسوقي محشيًّا عليه: [(قوله: وتعمدها بفريضة) أي: ولو لم يكن على وجه المداومة كما لو اتفق له ذلك مرة وإنما كره تعمدها بالفريضة لأنه إن لم يسجدها دخل في الوعيد أي اللوم المشار له بقوله تعالى: ﴿ وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ﴾ [الانشقاق: 21] وإن سجد زاد في عدد سجودها كذا قيل... (قوله ولو صبح جمعة) أي خلافًا لمن قال بندبها فيه لفعله عليه الصلاة والسلام؛ لأن عمل أهل المدينة على خلافه فدلَّ على نسخه].
هذا، وقد ذهب بعض المالكية إلى جواز قراءة سورة تتضمن سجدة في الفريضة مطلقًا، ومن ذلك قراءة سورة السجدة في فجر الجمعة، روى ذلك ابن وهب، وصوَّبه اللخمي وابن يونس وابن بشير وغيرهم؛ لما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه كان يداوم على قراءة السجدة في الركعة الأولى من صلاة الصبح يوم الجمعة، وقال ابن بشير: وعلى ذلك كان يواظب الأخيار من أشياخي وأشياخهم اهـ. يُنظر: شرح الزرقاني على مختصر خليل بحاشية البناني (1/ 485، ط. دار الكتب العلمية).
ومذهب الشافعية: استحباب قراءة سورتي السجدة والإنسان في صلاة فجر يوم الجمعة مع المداومة على ذلك.





