منكر أم مستحب.. ما حكم رفع اليدين بالدعاء أثناء خطبة الجمعة؟
هل رفع اليدين بالدعاء أثناء خطبة الجمعة منكر؟، سؤال يكثر البحث عن جوابه خاصة في ظل الآراء المتشددة، وفي التقرير التالي نستعرض ما ذكرته دار الإفتاء في هذا الصدد.
رفع اليدين بالدعاء أثناء خطبة الجمعة
تقول دار الإفتاء إن الدعاء بين الخطبتين أثناء جلسة الإمام بين الخطبة الأولى والثانية مستحبٌّ، ويندب رفع اليدين فيه، خاصة أن هذا الوقت يرجى إجابة الدعاء فيه؛ فقد بيَّن لنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن في يوم الجمعة ساعة لا يوافقها مسلم يدعو الله تعالى فيها بخير إلَّا استجاب دعاءه، وهذا الوقت هو أقرب الأوقات لأن يكون ساعة الإجابة؛ لما رواه مسلم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «هِيَ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الْإِمَامُ إِلَى أَنْ تُقْضَى الصَّلَاةُ».
قال الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم": [قال القاضي: اختلف السلف في وقت هذه الساعة.. وقيل: من حين يجلس الإمام على المنبر حتى يفرغ من الصلاة].
كما أَنَّ هذا الوقت -وقت الاستراحة بين الخطبتين- غير داخلٍ في الوقت المنهي عن الكلام فيه والإمام يخطب على ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من الشافعية، والحنابلة، وأبو يوسف ومحمد من الحنفية، لما رواه الشيخان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يَوْمَ الجُمُعَةِ أَنْصِتْ، وَالإِمَامُ يَخْطُبُ، فَقَدْ لَغَوْتَ».
فالنهي الوارد في الحديث لأجل الاستماع للخطبة، بدليل قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «وَالإِمَامُ يَخْطُبُ».
قال العلامة الشوكاني في "نيل الأوطار: [فيه دليل على اختصاص النهي بحال الخطبة، وَرَدٌّ على من أوجب الإنصات من خروج الإمام].
وعلى ذلك تواردت عبارات الفقهاء:
قال العلامة السرخسي الحنفي في "المبسوط": [قال أبو حنيفة: يكره الكلام بعد خروج الإمام قبل أن يأخذ في الخطبة وبعد الفراغ من الخطبة قبل الاشتغال بالصلاة كما تكره الصلاة، وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى: تكره الصلاة في هذين الوقتين ولا يكره الكلام].
وقال العلامة الخطيب الشربيني الشافعي في "مغني المحتاج": [ولا يكره الكلام قبل الخطبة ولا بعدها ولا بين الخطبتين ولا للداخل ما لم يأخذ له مكانًا ويستقر فيه].
وقال العلامة المرداوي الحنبلي في "الإنصاف": [ظاهر قوله: «وَالإِمَامُ يَخْطُبُ» أنَّ الكلام يجوز بين الخطبتين إذا سكت، والصحيح: أن الكلام بينهما يباح].
حكم رفع اليدين بالدعاء بعد الفراغ من الخطبة الثانية للجمعة
اختلف العلماء في حكم رفع اليدين بالدعاء بعد الفراغ من الخطبة الثانية، فذهب بعض الحنفية، والمالكية في قول، وابن حجر الهيتمي من الشافعية، وابن عقيل من الحنابلة إلى استحباب رفع اليدين أثناء الدعاء بعد الفراغ من الخطبة الثانية؛ لعموم النصوص الدالة على استحباب رفع الأيدي في الدعاء، ولأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رفع يديه في خطبة الجمعة حين استسقى.
قال العلامة بدر الدين العيني الحنفي في "البناية": [(والرفع سنة الدعاء) ش: أي رفع اليدين سنة] .
وقال العلامة الخرشي المالكي في "شرحه لمختصر خليل": [وعبارة شب: وفي رفع يديه قولان، قال الموضح: مذهب "المدونة" عدم الرفع].
وقال القاضي عياض في "إكمال المعلم بفوائد مسلم": [كره قوم من السلف رفعَ اليدين في الخطبة والدعاء، وهو قول مالك، وحجة من قال ذلك هذا الحديث، وأجازه آخرون، وهو قول بعض أصحابنا، وحجتهم رفع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يديه ومدَّها في الخطبة والدعاء يوم الجمعة حين استسقى].
وقال الشيخ ابن حجر الهيتمي الشافعي في "الفتاوى الفقهية الكبرى" عندما سئل عن رفع اليدين بعد فراغ الخطبتين يوم الجمعة: [رفع اليدين سنة في كلِّ دعاء خارج الصلاة ونحوها، ومن زعم أنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يرفعهما إلا في دعاء الاستسقاء فقد سها سهوًا بيِّنًا وغلط غلطًا فاحشًا].
وقال العلامة الزركشي في "شرحه على مختصر الخرقي": [(وإن أراد الخطيب أن يدعو لإنسان دعا).. ويستحب رفع اليد في الدعاء عند ابن عقيل، لعموم مطلوبية رفع الأيدي في الدعاء].
وذهب الحنفية، والشافعية، والمالكية في الصحيح، والحنابلة إلى كراهة رفع الأيدي للخطيب أثناء الدعاء بعد الفراغ من الخطبة الثانية.
قال ابن عابدين الحنفي في "رد المحتار": [قال البقالي في "مختصره": وإذا شرع الخطيب- في الدعاء لا يجوز للقوم رفع اليدين ولا تأمين باللسان جهرًا، فإن فعلوا ذلك أثموا، وقيل أساؤوا ولا إثم عليهم] اهـ.
وقال العلامة الخرشي المالكي في "شرحه لمختصر خليل": [وضعَّف مالك رفع اليدين في جميع المشاعر والاستسقاء، وقد رئي رافعًا يديه في الاستسقاء، وقد جعل بطونهما إلى الأرض وقال: إن كان الرفع فهكذا].
وقال القاضي عياض في "إكمال المعلم بفوائد مسلم": [كره قوم من السلف رفعَ اليدين في الخطبة والدعاء، وهو قول مالك].
وقال العلامة الرملي الشافعي في "نهاية المحتاج": [ويكره للخطيب رفع يديه حال الخطبة، قاله البيهقي].
وقال العلامة البهوتي في "كشاف القناع": [ويكره للإمام رفع يديه حال الدعاء في الخطبة].
المختار للفتوى في حكم رفع اليدين أثناء الدعاء
المختار ما ذهب إليه أصحاب الرأي الأول القائلون باستحباب رفع الأيدي في الدعاء مطلقًا، لعموم الأدلة الواردة في الاستحباب التي وصلت لدرجة التواتر.
بل إن هذا أدعى لإجابة الدعاء؛ لما رواه الإمام الترمذي في "سننه" عن سلمان الفارسي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ اللَّهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي إِذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا خَائِبَتَيْنِ».



