الاقتصاد لا يحتمل المغامرات.. خبراء يرفضون إحياء مشروع منخفض القطارة | تقرير
عادت في الآونة الأخيرة فكرة مشروع منخفض القطارة، والذي يسعى لتحويل المنخفض إلى بحيرة صناعية ومركز تنمية شامل، يمثل طموحًا مصريًا يسعى لإعادة تشكيل مستقبل المنطقة اقتصاديًا وبيئيًا واجتماعيًا.
مشروع منخفض القطارة
بدأت فكرة مشروع منخفض القطارة عام 1916 على يد البروفيسور الألماني هانز بانك، الذي اقترح استغلال انخفاض المنطقة عن مستوى سطح البحر – الذي يصل إلى 134 مترًا – لتوليد الطاقة الكهرومائية عبر ربط المنخفض بالبحر المتوسط، ولاحقًا، في عام 1931، طوّر البروفيسور جون بول هذه الفكرة، واقترح شق قناة تصل مياه المتوسط بالمنطقة.
مصر تمر بمرحلة اقتصادية دقيقة
من جانبه، أكد الدكتور محمد نصر علام، وزير الموارد المائية والري الأسبق، أن مصر تمر بمرحلة اقتصادية دقيقة تتطلب "وقفة سريعة وضرورية" في ظل التزامات الدولة بسداد القروض الحالية بطرق مدروسة، مشيرا إلى أنه في الوقت الذي تبذل فيه الدولة جهودًا كبيرة لإدارة الموارد المالية بحذر، تظهر أصوات تنادي بالاقتراض من جديد لتنفيذ مشروع ضخ مياه البحر إلى منخفض القطارة بحجة توليد الكهرباء، متجاهلة خطورته على المخزون الجوفي.
وكتب علام على صفحته الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي أن هذا المشروع "ليس جديدًا"، فقد سبق للدولة أن رفضته عام 1978، كما رفضته وزارة الري مرة أخرى منذ سنوات قليلة، "ومع ذلك ما زال البعض يروج له وكأن شيئًا لم يحدث". وأوضح أن ضخ مياه البحر للمنطقة سيؤدي إلى تدمير كامل للمخزون الجوفي وتلويثه بمياه عالية الملوحة، وهو ما يمثل تهديدًا بيئيًا وجيولوجيًا خطيرًا.
تحلية مياه البحر
أضاف وزير الري الأسبق أن هناك من يقترح تحلية مياه البحر أولًا، ثم ضخها إلى المنخفض لتوليد الكهرباء واستخدام جزء منها في الزراعة، متسائلًا: "هل يعقل أن نحلي مياه بحر باهظة التكلفة ثم نضخها إلى منخفض ونتركها للبخر والتسرب؟ كم عدد محطات التحلية المطلوبة؟ وما حجم الطاقة والتكلفة اللازمة لتشغيلها؟"، مؤكدا أن كل هذه الأسئلة المنطقية يتم تجاهلها تمامًا من جانب من يدفعون نحو الاقتراض وتنفيذ المشروع بأي شكل، قائلًا:"المهم عندهم الحصول على قروض واستيراد معدات… أما الجدوى والعلم فلا مكان لها!".
وشدد علام على أن هذا الأسلوب "لا يليق بدولة تمتلك وزارات عريقة وخبرات علمية كبيرة في الجامعات المصرية"، داعيًا كل من يملك مقترحًا هندسيًا أو مائيًا إلى العودة إلى أهل التخصص. وقال: "قبل أن تروجوا لمشروعات بهذه الخطورة، اذهبوا للجامعات المتخصصة أو لوزارة الري وناقشوا العلماء والخبراء. هذا الكلام يمس هيبة الدولة ومؤسساتها ولا يجب التهاون معه".
وختم حديثه بالتأكيد على ضرورة احترام المؤسسات العلمية والفنية في الدولة، قائلاً: "ليس من المقبول أن تُطرح أفكار غير واقعية أو غير مدروسة في هذا التوقيت الحساس، فالمشهد لا يحتمل أي مغامرات أو تهور."
هناك فكرتان رئيسيتان طُرحتا بشأن المشروع
قال الدكتور عباس شراقي أستاذ الجيولوجيا والخبير في الموارد المائية، إن الجدل المتجدد حول مشروع منخفض القطارة يستدعي توضيح الحقائق علميًا، خصوصًا بعد إعادة طرحه في النقاشات العامة رغم رفضه أكثر من مرة في السابق.
إنشاء قناة تصل بين البحر المتوسط ومنخفض القطارة
وأوضح شراقي، في تصريحات خاصة لـ نيوز رووم، أن هناك فكرتين رئيسيتين طُرحتا بشأن المشروع، الفكرة الأولى، وهي إنشاء قناة تصل بين البحر المتوسط ومنخفض القطارة بحيث تتدفق مياه البحر المالحة إلى داخله، ومع سقوط المياه يتم تركيب توربينات لتوليد الكهرباء على غرار السدود، لافتا إلى أن هذه الفكرة تعتمد على أن كمية المياه الوافدة من البحر تعادل الفاقد الناتج عن البخر، بحيث يظل المنخفض ممتلئًا، ما يعني تكوين بحيرة جديدة شبيهة ببحيرات مريوط والمنزلة.
مخاطر بيئية خطيرة
واستدرك أن هذا السيناريو يحمل مخاطر بيئية خطيرة، أبرزها احتمال تسرب المياه المالحة إلى الخزان الجوفي، وهو ما قد يسبب أضرارًا يصعب علاجها.
مد قناة من بحيرة ناصر أو من النيل
وأضاف أستاذ الجيولوجيا أن الفكرة الثانية: هي مد قناة من بحيرة ناصر أو من النيل – سواء عبر توشكى أو أسيوط – لتغذية منخفض القطارة بمياه عذبة، وتحويله إلى بحيرة داخلية يمكن أن تقوم حولها مشروعات زراعية وعمرانية، مشددًا على أن مصر لا تمتلك فائضًا مائيًا يسمح بملء منخفض ضخم مثل القطارة، مؤكدًا أن حصة مصر من النيل لم تزد منذ 1971، في وقت ترتفع فيه الاحتياجات المائية للمشروعات الحالية مثل الدلتا الجديدة والأراضي المستصلحة.
وأكد شراقي، أن المشكلتين الجوهرية في المقترحين هما: غياب دراسات جدوى اقتصادية وعلمية دقيقة يمكن الاعتماد عليها، وخاصة وأن حجم التكلفة الهائل، سواء لتنفيذ المشروع أو حتى لإجراء دراسات متكاملة له، والتي تحتاج إلى عشرات الملايين من الدولارات قبل اتخاذ أي قرار.
وأشار شراقي إلى أن ما يُطرح في بعض الأبحاث الأكاديمية مثل رسائل الماجستير والدكتوراه لا يمكن البناء عليه لبدء تنفيذ مشروع تبلغ تكلفته مليارات الجنيهات، موضحًا أن تلك الأبحاث تهدف للفت الانتباه وليس لتبرير قرارات ضخمة بهذا الحجم.
أنا لا أؤيد أيًّا من الفكرتين في الوقت الحالي
وقال شراقي بوضوح: "أنا لا أؤيد أيًّا من الفكرتين في الوقت الحالي، وأرى ضرورة غلق هذا الملف تمامًا"، مبررًا ذلك بأن الوضع الاقتصادي الراهن لا يسمح بالدخول في مشروع ضخم غير مضمون العائد، في وقت تحتاج فيه الدولة إلى توجيه مواردها لمشروعات قائمة بالفعل وتطالب بتمويل مستمر، مثل مشروع الدلتا الجديدة وتوسعات النقل والقطار الكهربائي ومشروعات البنية التحتية الكبرى.
طرح مشروع منخفض القطارة حديثًا للاستهلاك
وأكد الخبير في الموارد المائية أن إعادة طرح مشروع منخفض القطارة في الوقت الراهن يبدو "حديثًا للاستهلاك"، وليس مبنيًا على أسس علمية أو اقتصادية صلبة، مشددًا على أن التوقيت غير مناسب على الإطلاق، قائلًا:"علينا التركيز على إدارة مواردنا المائية المحدودة أولًا، واستكمال المشروعات القائمة، قبل التفكير في إنشاء نهر جديد يصب في منخفض القطارة".