العيد الوطني الـ54.. مفتي الجمهورية يشارك في احتفال دولة الإمارات
شارك أ.د. نظير محمد عياد، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، مساء اليوم الثلاثاء، دولة الإمارات العربية المتحدة، احتفالها بالعيد الوطني الـ 54 الذي أقامته السفارة الإماراتية بالقاهرة؛ تلبية لدعوة كريمة من السفير حمد عبيد الزعابي، سفير الإمارات لدى القاهرة.
مفتي الجمهورية يشارك في احتفال الإمارات.. ويؤكد عمق الروابط الأخوية بين البلدين
وأعرب مفتي الجمهورية، عن تقديره الكبير لما حققته دولة الإمارات من إنجازات رائدة في مسارات التقدم والتنمية والنهضة العلمية والتكنولوجية، مؤكدًا عمق العلاقات المصرية-الإماراتية التي تمثل أنموذجًا عربيًّا أصيلًا في التعاون والتآخي، وأن ما يجمع بين الشعبين من وشائج الإيمان والانتماء والثقافة والهوية يرسخ شراكة استراتيجية أساسها الثقة المتبادلة والعمل المشترك، مشيرًا إلى حرص دار الإفتاء المصرية على تعزيز تعاونها مع المؤسسات الدينية الإماراتية في جهود نشر الوعي الرشيد ومحاربة التطرف وترسيخ الوسطية، بوصفها مسؤولية مشتركة تجاه الأمة وقضاياها ومستقبلها.
من جانبه، عبّر السفير حمد عبيد الزعابي، عن بالغ تقديره لمشاركة مفتي الجمهورية في هذه المناسبة الوطنية، مشيدًا بما تشهده العلاقات بين البلدين من تطورٍ متواصل في مختلف المجالات، مؤكدًا أن التعاون القائم بين دولة الإمارات العربية المتحدة ومصر، ولا سيما في المجال الديني والفكري، يمثل ركيزة أساسية في دعم قيم الاعتدال وترسيخ مبادئ الوسطية والتسامح، متطلعًا إلى استمرار هذا التنسيق البنّاء مع دار الإفتاء المصرية بما يحقق المصالح المشتركة ويصبّ في خدمة قضايا الأمة وتعزيز استقرارها.
العقيدة تعمل كمصباح يهدي الإنسان إلى الصدق والوفاء والإحسان وتضبط سلوكه في السر والعلن
كان قد أكد الدكتور نظير محمد عياد، مفتي الجمهورية ورئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، أن الحديث عن العلاقة بين العقيدة والسلوك ليس من باب الترف الفكري أو التكرار لقضايا مألوفة، بل يمثل ضرورة حياتية وفريضة دينية تفرضها طبيعة العصر الذي نعيشه، حيث تتزاحم المؤثرات الفكرية وتنتشر الاتجاهات الإلحادية والشاذة والدعوات المنفلتة التي تسعى إلى السخرية من الدين أو التقليل من شأنه، وهي اتجاهات تستهدف منظومة الأخلاق بالأساس، مما يجعل الجمع بين الجانب النظري الذي تمثله العقيدة والجانب التطبيقي الذي يجسده السلوك ضرورة ملحة لبناء الوعي وحماية المجتمع.
وأوضح أن ما نشهده اليوم من اضطراب في المفاهيم يدعو إلى إعادة تأكيد هذا الارتباط العميق، لأن القول بالفصل بين العقيدة والسلوك يتعارض مع حقيقة الدين ونصوصه ويؤدي إلى خلل في فهم جوهر رسالة ديننا الحنيف.
وفي مستهل اللقاء أكد المفتي أن العلاقة بين الإيمان والسلوك مستمدة من طبيعة الدين الذي هو وضع إلهي يهدف إلى تحري الصلاح في الدنيا وتحقيق الفلاح في الآخرة، فهو يجمع بين أساس نظري يقوم على الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر، وبين جانب عملي يظهر أثره في الظاهر والباطن. وبين أن الجانب التطبيقي يتجلى في أركان الإسلام التي تبدأ بالشهادتين بوصفهما المدخل الأول إلى الدين، ثم تأتي العبادات التي تحمل في جوهرها دلالات أخلاقية عميقة تظهر ثمارها في سلوك الإنسان، مستشهدًا بما دلت عليه النصوص من أثر العبادة في تهذيب النفس.
وفي سياق توضيح طبيعة هذا الارتباط، بيّن أن بنية الدين تقوم على عقيدة وشريعة تثمران معًا السلوك الحسن، مما يستدعي التوقف أمام الأبعاد الأخلاقية التي تشكل الامتداد العملي للإيمان، فحينما يتحدث القرآن عن البر، فإنه يقدمه بوصفه عملا جامعا يشمل أبواب الخير كافة، وقد ربط الله ربطًا محكمًا بين الإيمان وبين العبادة والسلوكيات والتعاملات والأخلاق، الأمر الذي يؤكد أن الارتباط بين العقيدة والسلوك ليس فرعًا أو إضافة ثانوية، بل هو جوهر الدين وطبيعته الأصيلة.
وأشار إلى النتيجة التي توصل إليها أحد القضاة الأجانب من خلال بحث أجراه حين قال: إن الأخلاق بلا دين عبث، وإن الادعاء بوجود تعارض بين الدين والأخلاق قول باطل موضحًا أن النصوص تجمع دائمًا بين الإيمان والعمل الصالح، لأن كليهما يثمر الفعل الحسن والسلوك القويم.
وأضاف أن هذا الارتباط ليس مسألة وعظية بل ضرورة حضارية مرتبطة بمكانة الدين في بناء الإنسان، إذ يجتمع في النفس نزعة الخير ونزعة الشر، فإذا غلب جانب الشر تحكمت الشهوات وانفلت السلوك، أما سلطة فإنها وإن ضبطت الأفعال إلا أنها تعتمد على الردع الخارجي؛ فبعض الناس لا يفعل الخير إلا خوفًا من العقاب، وبعضهم يلتزم القانون لأنه مفروض بقوة الجزاء، بينما هناك طائفة يرتقي سلوكها بغض النظر عن العقاب؛ لأنها تستند إلى عقيدة تحيي في النفس رقابة داخلية تثمر الخشية والالتزام.
وفي سياق متصل كشف المفتي عن أحد أهم إشكالات الفكر المعاصر، وهي نسبية الأخلاق وتحركها وفق المصلحة، وهو تصور يصطدم اصطدامًا مباشرًا بقدسية الأخلاق في التصور الديني. ومن هنا تتجلى خطورة الأفكار التي تفصل الأخلاق عن العقيدة، وقد نبّه النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا المعنى حين قال: «أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا»، دلالة على الارتباط البنائي بين الإيمان والسلوك.
وفي هذا الإطار تتبدى إشكالية المبادئ البراجماتية النفعية التي تبنتها دول غربية، إذ تنطلق من قاعدة الغاية تبرر الوسيلة، وتتعامل مع الإنسان بوصفه عنصرًا داخل معادلة مادية تحكمها الكُلفة والمنفعة ويتضح أثر هذا التوجه في ممارسات خطيرة، مثل ما يسمى بالموت الرحيم الذي يتم تمريره تحت ذرائع إنسانية زائفة تحمل في باطنها دوافع اقتصادية واجتماعية، بينما ينطوي جوهرها على اعتداء بيّن على قدسية النفس الإنسانية، أما في الرؤية الدينية فلا يُقبل بأي حال من الأحوال المساس بحياة الإنسان أو كرامته، لأن العقيدة تُنشئ في النفس يقظة داخلية تمنع صاحبها من الانحراف، وتربيه على الخشية الصادقة، مما يؤكد أن الخوف الإيماني وتزكية الباطن يمثلان درعًا واقيًا أمام موجات الانحراف المفاهيمي التي تحاول تغيير الفطرة عبر شعارات براقة ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب.
وأضاف قائلا: من هنا تتأكد الأهمية القصوى للعقيدة الصحيحة بوصفها البنية الأساسية في مواجهة هذه الحرب الفكرية الناعمة التي تسعى إلى إعادة تشكيل الوعي الإنساني والعبث بثوابته، إذ لا يستطيع الإنسان أن يقف ثابتًا في مواجهة هذا السيل الجارف إلا إذا امتلك أرضية راسخة من الإيمان العميق الذي يضبط مساره ويمنحه القدرة على التمييز بين الحق والباطل، وبين الرحمة الحقيقية وتلك التي تُرفع شعارًا بينما تخفي خلفها انتهاكًا للفطرة وقيم الإنسانية الأصيلة.
كما أكد المفتي أن الانسياق وراء الشعارات الداعية إلى الحرية المنفلتة أو تبرير الشذوذ تحت لافتات براقة يوقع الإنسان في فخ الرذيلة ويمس جوهر الفطرة، فالحرية التي تُستخدم ذريعة للاعتداء على الدين أو العِرض أو المال ليست حرية بالمعنى القيمي، بل انفلات ترفضه العقيدة التي تُعلي من قيمة الانضباط الأخلاقي، ولهذا جاءت العقيدة أشبه بالمصباح الذي يحمله الإنسان ليهديه إلى سواء السبيل، فتثمر في داخله الصدق والوفاء والإحسان.




