في لحظة سياسية شديدة الحساسية، تصاعد الاهتمام العالمي بعد إعلان صادر عن الإدارة الأمريكية يكشف عن استعدادات متقدمة داخل مؤسسات القرار لاتخاذ خطوة غير مسبوقة تتعلق بوضع الجماعة على قوائم التنظيمات الإرهابية. هذا التوجه يعكس تحوّلًا مهمًا في الإدراك الغربي لطبيعة التنظيم، ويشير إلى بداية مرحلة جديدة تتجاوز سنوات طويلة من التردد والغموض في التعامل معه، ليتبلور مسار دولي أكثر صرامة تجاه الجماعات التي تتستر بالعمل السياسي أو الخيري بينما تنخرط في أنشطة متشابكة تتصل بالتطرف وتمويل شبكات العنف في المنطقة.
جاء هذا التحول متماشياً مع رؤية مصر التي سبقت كثيرًا من الدول في التحذير من البنية العقائدية المغلقة للتنظيم ومنهجه القائم على اختراق مؤسسات الدول، واستغلال شعارات حقوق الإنسان لتوفير مظلات حماية دولية، فضلاً عن روابطه الفكرية والمالية مع جماعات عنيفة في الشرق الأوسط. وعلى مدار السنوات الماضية تجمعت أمام المجتمع الدولي مؤشرات متعددة تؤكد أن التنظيم لم يكن مجرد كيان سياسي؛ بل شبكة ممتدة ذات أذرع إعلامية واقتصادية ودعوية وشبه عسكرية، ما أدى إلى تضخّم المخاوف الإقليمية والدولية من دوره وتأثيره داخل المنطقة وخارجها.
وقد لعب الدور الشعبي في مصر دورًا كبيرًا في تغيير النظرة الدولية، إذ شكّل الرفض الواسع لحكم التنظيم نقطة انعطاف مهمة لفتت الانتباه العالمي إلى حقيقة أن الجماعة لم تكن ممثلاً للشارع كما ادّعت لسنوات طويلة. وتسارعت وتيرة توثيق الانتهاكات التي سبقت وتلت هذه المرحلة، من محاولات السيطرة على مؤسسات الدولة إلى توسع خطاب الإقصاء الطائفي وصولًا إلى التنسيق مع مجموعات عنيفة في سيناء، وهي حقائق أثّرت لاحقًا في مراكز أبحاث ومنصّات صنع القرار في الغرب.
وازدادت وتيرة هذا التحول بعد رصد نشاط مالي مشبوه اعتمد على تحويل التبرعات الموجّهة لمشروعات إنسانية كإعمار غزة أو دعم الفلسطينيين إلى قنوات تمويلية تخدم أفرع التنظيم في المنطقة، خصوصًا في بؤر التوتر مثل سيناء وليبيا. وقد أثارت هذه الأنماط مخاوف دولية واسعة دفعت عددًا من الدول الأوروبية إلى التضييق على مؤسسات مرتبطة بالتنظيم، وإخضاعها لعمليات تدقيق قانوني ومالي، خاصة بعد ظهور أدلة على استخدام الجمعيات الخيرية غطاءً لتحويل الأموال نحو أنشطة سياسية وإعلامية واستقطابية.
وأسهمت تحولات أوروبا بشكل خاص في بلورة هذا المسار، بعدما بدأت أجهزة استخبارية في عدة دول تشير إلى أن التنظيم يُنتج بيئات فكرية مغلقة قد تهيئ لظهور موجات تطرف لاحقة، حتى وإن لم يمارس العنف المباشر. كما كشفت تقارير رسمية عن توسع في بناء شبكات موازية تعمل خارج منظومات الدولة وتفرض تأثيرًا متزايدًا على الشباب المسلم، وهو ما رفع منسوب التحذيرات من نشوء مجتمعات معزولة داخل أوروبا.
في هذا السياق، تزايد الاتجاه الغربي نحو مراجعة السياسات السابقة التي منحت مساحة واسعة للتنظيم باعتباره ممثلاً سياسيًا، ليتضح مع الوقت أن تلك المقاربة وفّرت غطاءً لتحركات أعمق في مجالات التمويل والتجنيد والتأثير. ومع الارتفاع الكبير في نسب الهجرة وما خلفته من تحديات اجتماعية وأمنية، تعزّزت الدعوات لإعادة تقييم دور التنظيمات العابرة للحدود، وعلى رأسها الجماعة التي استثمرت لعقود في بناء شبكة نفوذ تمتد من الشرق الأوسط إلى أوروبا وأمريكا الشمالية.
ورغم أن القرار الأمريكي لم يصدر بشكل نهائي، إلا أن المؤشرات الحالية تؤكد أن الإدارة الأمريكية باتت أقرب إلى موقف أكثر تشددًا، في ظل المكاسب المحتملة على صعيد مكافحة تمويل الإرهاب والشبكات غير المشروعة. ومن شأن أي خطوة أمريكية في هذا الاتجاه أن تفتح الباب أمام موقف دولي أكثر وحدة تجاه التنظيم، خاصة مع تزايد القناعة بأن أذرعه المالية والإعلامية والسياسية لعبت أدوارًا في زعزعة الاستقرار الإقليمي.
ويبدو واضحًا أن المرحلة المقبلة ستشهد تعزيزًا للتعاون بين مصر ودول مؤثرة في الغرب، في ظل اتساع الإدراك الدولي لطبيعة التهديد الذي يشكله التنظيم، ولأهمية تفكيك شبكات النفوذ التي بنَاها خلال عقود طويلة. ومع تراكم الأدلة حول آليات تمويله وأنشطته العابرة للحدود، يقترب العالم من لحظة مفصلية قد تعيد رسم خريطة التعامل مع الجماعات التي اختبأت طويلًا خلف شعارات براقة فيما مارست على الأرض أدوارًا تتصل بالعنف والتطرف وتهديد استقرار الشرق الأوسط والعالم.