مصر تقود معركة تثبيت الهدنة.. القاهرة تسابق الزمن لحماية وقف إطلاق النار بغزة
في لحظة فارقة تعيشها غزة والمنطقة بأسرها، تتحرك الدبلوماسية المصرية بثبات وهدوء لإسناد اتفاق التهدئة ومنع انزلاق الأوضاع نحو موجات جديدة من التصعيد. فمنذ اللحظة الأولى، كثّفت القاهرة اتصالاتها مع الأطراف الإقليمية والدولية، وفعّلت أدواتها السياسية والأمنية لضمان تثبيت وقف إطلاق النار، وحماية مسار إنساني بالغ الحساسية، ودفع الأطراف نحو حلول أكثر استدامة تحفظ الأرواح وتفتح نافذة أمل أمام جهود إعادة الإعمار ومسار السلام.
جهود مصر الدبلوماسية لحماية اتفاق غزة
وفي التقرير التالي يرصد لكم موقع نيوز رووم، جهود مصر الدبلوماسية لحماية اتفاق غزة وتعزيز وقف إطلاق النار والسيناريوهات المتوقعة خلال الفترة القادمة:
فمن جانبه أكد الدكتور حسن سلامة، أستاذ العلوم السياسية، أن المشهد المتعلق باتفاق "رامبو" ووقف إطلاق النار ما زال معقدًا، وأن السيناريوهات المطروحة متعددة في ظل محاولة إسرائيل الالتفاف على أي ترتيبات دولية ملزمة. وقال إن التحركات المصرية مستمرة دون انقطاع من أجل تأمين اتفاق وقف إطلاق النار، والانتقال من المرحلة الأولى إلى مراحل أكثر استقرارًا، رغم حالة الجمود التي تحاول إسرائيل فرضها على مسار التفاوض.
مصر تعمل لإجبار إسرائيل على الالتزام بتعهداتها
وأوضح سلامة أن مصر تعمل لإجبار إسرائيل على الالتزام بتعهداتها، إلا أن الأخيرة تقوم على الأرض بخطوات من شأنها تعطيل الاتفاق، سواء عبر تقسيم قطاع غزة، أو الدفع بمعدات ثقيلة لإزالة الركام في المناطق الخاضعة لسيطرتها تمهيدًا لإعادة الإعمار وفق رؤيتها، إضافة إلى عملياتها البرية في الضفة الغربية التي تغيّر من الواقع الديمغرافي والجغرافي، مما يجعل تنفيذ الاتفاق أكثر تعقيدًا.
وأشار إلى أن المعوقات الحقيقية كثيرة، ورغم ذلك فإن الجهود المصرية مستمرة، وكان آخرها اجتماع القاهرة أمس مع الوسطاء لمناقشة آليات تفعيل قرار مجلس الأمن 2803، بما يشمل صلاحيات القوة الدولية المقترحة والأطراف المشاركة فيها، وقضية نزع سلاح حماس، ومقترحات تجاوز الملفات الجدلية المتعلقة بإعادة الإعمار وإدخال المساعدات الإنسانية.
وأكد سلامة أن العرقلة الإسرائيلية واضحة، رغم صدور قرار من مجلس الأمن، مشيرًا إلى أن إسرائيل لم تلتزم تاريخيًا بقرارات المجلس، قائلاً: "لدينا عشرات القرارات الأممية التي لم تُنفذ، فلماذا يُستثنى هذا القرار؟".
وأضاف أن قرارات مجلس الأمن توفر غطاءً سياسيًا وقانونيًا لأي قوة أممية وتتيح إمكانية المحاسبة أو العقاب، لكن المشكلة — بحسب سلامة — تكمن في أن آليات المحاسبة نفسها مرتبطة بالمجلس، وبالتالي تصبح غير فعّالة على أرض الواقع إذا لم تتوافر إرادة دولية حقيقية لإلزام إسرائيل.
حماية اتفاق التهدئة في غزة
أكد الدكتور طارق البرديسي، أستاذ العلاقات الدولية، أن مصر تتحرك على مدار الساعة من أجل حماية اتفاق التهدئة في غزة وتعزيز فرص تثبيت وقف إطلاق النار، عبر جهود دبلوماسية معقّدة واتصالات رفيعة المستوى مع الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، فضلاً عن التنسيق المستمر مع القوى الدولية الفاعلة، وعلى رأسها الولايات المتحدة والأمم المتحدة وقطر والاتحاد الأوروبي.
وأوضح البرديسي في تصريحات خاصة لـ نيوز رووم، أن جهاز المخابرات العامة المصرية يلعب دوراً محورياً من خلال قنوات اتصال مباشرة مع مختلف الفصائل الفلسطينية لضمان الالتزام بتفاهمات التهدئة ومنع أي شرارة قد تقود إلى تصعيد جديد، مشيراً إلى أن مصر تفتح معبر رفح بشكل دائم لإدخال المساعدات الغذائية والطبية والوقود لتخفيف الكارثة الإنسانية التي يعيشها سكان القطاع.
صياغة مقاربة شاملة تربط بين إعادة إعمار غزة والتحرك السياسي
وأضاف أستاذ العلاقات الدولية، أن القاهرة تعمل بالتوازي على صياغة مقاربة شاملة تربط بين إعادة إعمار غزة والتحرك السياسي الذي من شأنه خلق مسار واقعي للسلام ومنع تكرار سيناريو “التهدئات الهشة” التي تنفجر كل فترة.
وفي تحليله للسيناريوهات القادمة، أكد البرديسي أن التطورات قد تتراوح بين استمرار التهدئة بدعم دولي وتفاهمات إنسانية، أو حدوث تصعيد محدود نتيجة توترات في الضفة أو تعثر التفاهمات، وصولاً إلى إمكانية بلورة اتفاق طويل الأمد برعاية مصرية وإشراف دولي، وهو السيناريو الأكثر استقراراً، محذراً في الوقت ذاته من سيناريو انهيار التهدئة – لا قدّر الله – بسبب تطورات ميدانية مفاجئة، وهو ما تسعى مصر لتفاديه بكل ما تملكه من أدوات سياسية وأمنية وإنسانية.
وتابع: “لدور المصري ثابت لا يتزحزح، ولولا هذه الجهود لكانت القضية الفلسطينية واجهت سيناريوهات بالغة الخطورة منذ سنوات. وقد بات الاعتراف بدور مصر تحت قيادة الرئيس السيسي يأتي من الخصوم قبل الحلفاء.
القاهرة تتحرك على أكثر من مسار في وقت واحد
أعرب عمرو حسين عن تقديره العميق للجهود الدبلوماسية المكثفة التي تبذلها مصر لحماية اتفاق تهدئة غزة وتعزيز فرص تثبيت وقف إطلاق النار، مؤكداً أن القاهرة تتحرك اليوم على أكثر من مسار في وقت واحد، مستخدمة خبرتها التاريخية وثقلها الإقليمي لضمان عدم انزلاق الأوضاع نحو سيناريوهات أكثر خطورة.
وأضاف حسين، في تصريحات خاصة لـ نيوز رووم، أن الدور المصري لا يقتصر على الوساطة فحسب، بل يمتد ليشمل إدارة التوازنات المعقدة بين الأطراف المتصارعة، والضغط من أجل إدخال المساعدات الإنسانية، وفتح مسارات آمنة للمدنيين، وهو ما جعل مصر شريكاً أساسياً لا يمكن تجاوزه في أي ترتيبات تخص القطاع.
وأوضح أن القاهرة تدرك أن تثبيت التهدئة ليس مجرد خطوة إنسانية، بل جزء من معادلة أمن إقليمي أوسع، وأن أي انهيار للتهدئة سيعيد المنطقة كلها إلى مربع الانفجار، لذلك تعمل مصر على بناء “شبكة أمان” سياسية ودبلوماسية تمنع التصعيد وتُبقي الأطراف ملتزمة بخريطة الطريق.
السيناريوهات المتوقعة بشأن اتفاق غزة
وحول السيناريوهات المتوقعة خلال الفترة المقبلة، أشار حسين إلى ثلاثة مسارات محتملة:
1. السيناريو الأول – تثبيت التهدئة تدريجياً:
وهو السيناريو الأكثر ترجيحاً في المدى القريب، حيث تنجح الوساطة المصرية-القطرية-الأمريكية في تثبيت خطوط التواصل، بما يسمح بتوسيع وقف إطلاق النار لفترات أطول، وزيادة دخول المساعدات، وتهيئة مناخ سياسي يسمح بمفاوضات أوسع.
2. السيناريو الثاني – تهدئة هشة قابلة للانفجار:
وفيه تستمر التهدئة شكلياً لكن مع خروقات متفرقة تضغط على الوسطاء وتزيد من هشاشة الوضع، وهذا يعتمد على مدى التزام الأطراف، خصوصاً في ظل ضغوط داخلية لدى الطرفين.
3. السيناريو الثالث – عودة محدودة للتصعيد:
وهو السيناريو الأسوأ، ويحدث إذا فشلت الجهود الدبلوماسية وتزايدت الضغوط الميدانية، ما قد يؤدي إلى جولة جديدة من المواجهات، وإن كانت أقل اتساعاً من الجولات السابقة نظراً للضغوط الدولية المتزايدة.
وختم عمرو حسين تصريحه بالتأكيد أن الدور المصري يظل العامل الأكثر ثباتاً وسط هذا المشهد المضطرب، وأن القاهرة ستواصل التحرك لحماية فرص السلام، لأنها تدرك أن أمن غزة واستقرارها جزء من أمن المنطقة بأكملها.