ما حكم العمرة للمرأة إذا فاجأها دم الحيض؟.. دار الإفتاء توضح
كثيرًا ما تُفاجأ المرأة بنزول الحيض بعد نية العمرة، فيثور سؤال مهم: ما حكم العمرة إذا فاجأها دم الحيض؟
ما حكم العمرة للمرأة إذا فاجأها دم الحيض؟
أكدت دار الإفتاء أنه يجوز للمرأة الإحرام للعمرة حال حيضها مع استحباب اغتسالها قبله، ثم تنتظر حتى تطهر فتغتسل وتؤدي عمرتها، فإن تعذر الانتظار لكون مدة حيضها -بناء على عادتها- مساوية لمدة سفرها أو أكثر واعتادت انقطاع الدم أثناء مدة الحيض، أو أمكنها استعمال دواء لرفع الحيض تحت إشرافٍ طبي -حيث لا ضرر عليها منه- فانقطع دمُها: جاز لها حينئذ الاغتسال والطواف وأداء المناسك حتى وإن عاد الدم بعد ذلك في مدته، وإن تعذَّر كل ذلك: جاز لها الطواف بالبيت وأداء المناسك وعمرتها صحيحة، ولا شيء عليها
حكم إحرام الحائض بالحج أو العمرة
من المقرر شرعًا أن الطهارة من الحيض ليست شرطًا من شروط صحة الإحرام، وأنه يصح إحرام الحائض بالحج أو العمرة مع استحباب اغتسالها، وعلى مشروعية ذلك تكاثرت النصوص من السنة النبوية المشرفة، والإجماع.
فعن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قدمتُ مكة وأنا حائضٌ، لم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة، فشكوتُ ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: «افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ، غَيْرَ أَلَّا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطَّهَّرِي» متفق عليه.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «النُّفَسَاءُ وَالْحَائِضُ إِذَا أَتَتَا عَلَى الْوَقْتِ تَغْتَسِلانِ وَتُحْرِمَانِ، وَتَقْضِيَانِ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا، غَيْرَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ» أخرجه الإمام أحمد في “المسند” واللفظ له، وأبو داود في “السنن”، والترمذي في “جامعه” وحسَّنه.
قال الحافظ ابن رجب الحنبلي في “فتح الباري” (2/ 120، ط. مكتبة الغرباء): هذا قول جماعة أهل العلم، لا يعلم بينهم اختلاف فيه: أن الحائض يجوز أن تحرم بالحج والعمرة، وتفعل ما يفعله الطاهر سوى الطواف بالبيت.
حكم العمرة للمرأة إذا فاجأها دم الحيض
إذا أحرمت المرأة بالعمرة حال حيضها أو فاجأها الحيض بعد إحرامها فإن إحرامها صحيح، أما بالنسبة لطوافها فإن أمكنها الانتظار حتى تطهر فعليها أن تنتظر لتطوف على طهارة.
قال الشيخ ابن تيمية في “مجموع الفتاوى” (26/ 205-206، ط. مجمع الملك فهد): الذي لا أعلم فيه نزاعًا: أنه ليس لها أن تطوف مع الحيض إذا كانت قادرة على الطواف مع الطهر، فما أعلم منازعًا أن ذلك يحرم عليها وتأثم به.
وإذا تعذَّر ذلك الانتظار أو تعسَّر بأن كانت مدة حيضها –بناء على عادتها– مساوية لمدة سفرها أو أكثر، فإن كانت معتادة انقطاع الدم أثناء مدة الحيض ولو لبعض يوم، أو أمكنها استعمال دواء لرفعه تحت إشرافٍ طبي لا ضرر عليها منه فانقطع دمُها: جاز لها حينئذ الاغتسال والطواف وأداء المناسك، وطوافها صحيح حتى وإن رجع إليها الدم بعد ذلك في مدته، عملًا بما ذهب إليه المالكية والحنابلة من أن النقاءَ في أيام الحيض طهر، وهو أحد قولي الإمام الشافعي، ويُعرَف بـ”التلفيق”، ورجحه جماعة من الشافعية، وهو مذهب الإمام الحسن بن أبي الحسن البصري.
قال الشيخ عليش المالكي في “منح الجليل”: ولا يُحبَسُ كريٌّ ولا وليٌّ لأجل طوافها، وتمكث وحدها بمكة حتى تطهر وتطوف إن أمكنها المقام بها، وإلا رجعت لبلدها وهي محرمة وتعود في القابل. وهذا كله إن لم ينقطع دمها أصلًا، وإلا اغتسلت وطافت حال انقطاعه ولو بعض يوم.
وقال الإمام ابن حجر الهيتمي الشافعي في “حاشيته على شرح الإيضاح” للإمام النووي: للبارزي كلامٌ في المسألة حسن طويل، حاصله: أن من استعملت دواء فانقطع دمها، أو انقطع لا لدواء، فاغتسلت وطافت، ثم عاد الدم بعد سفرها: يجوز لها العمل بأحد قولي الشافعي فيمن انقطع دمها يومًا ويومًا، فإن يوم النقاء طهر على هذا القول المعروف بقول “التلفيق”، ورجحه جماعة من الأصحاب، ويوافقه مذهب مالك وأحمد: أن النقاء في أيام التقطع طهر.
وقال العلامة برهان الدين ابن مفلح الحنبلي في “المبدع”: وإن طهرت في أثناء عادتها اغتسلت، وصلَّت وصامت، لقول ابن عباس رضي الله عنهما: “أما ما رأت الطهر ساعة فلتغتسل”.
وإن لم تعتد انقطاع الدم في مدة حيضها ولم يمكنها استعمال ما يرفعه، فيجوز لها حينئذ الطواف وأداء المناسك، وطوافها صحيح، كما هو قول جمهور الفقهاء؛ لأن “المشقة تجلب التيسير”، و”إذا ضاق الأمر اتسع”، كما في “الأشباه والنظائر” لتاج الدين السبكي ، ولما في ذلك من التخفيف ورفع الحرج ودفع المشقة في عذر الحيض الذي لا اختيار للمرأة فيه، خاصة أن الشريعة قد جاءت بالتيسير على المكلفين، رحمة بهم، ورعاية لأحوالهم، وقد أناطت أحكامها بقدر السعة والطاقة، في قول الله تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: 286].
ثم منهم من يُلزِمُها بشاة، وهم الحنفية في المعتمد، بناء على أن ترك الطهارة يجبر بدم؛ لأنها من واجبات الطواف لا من شروطه، وهو ما أجاز متأخرو المالكية والشافعية تقليده، ومنهم من لا يُلزمها بدم أصلًا؛ لأنها معذورة، كما هو مروي عن الإمام أحمد. ينظر: “بدائع الصنائع”، و”الاختيار في تعليل المختار”و”منح الجليل” للعلامة عليش المالكي ، و”حاشية العلامة الشبراملسي الشافعي على نهاية المحتاج” ، و”الفروع” للإمام ابن مفلح الحنبلي.



