ما حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند ذكر اسمه في الصلاة؟

أوضحت دار الإفتاء أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند ذِكْر اسمه في الصلاة أمرٌ مشروع لا يؤثر في صحة الصلاة، بل هو مستحبٌّ كما نص على ذلك الشافعية، لكن ينبغي مراعاة التوسط والاعتدال في ذلك وعدم الجهر حتى لا يؤدي إلى التشويش على غيره

بيان أن الصلاة على النبي عليه السلام دعاء جليل

الأصل المقرر أن الصلاة لا يصلح فيها إلا ما كان من جنسها؛ كالذكر والدعاء وقراءة القرآن الكريم؛ وذلك لما ورد عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله سلم أنه قال: «إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ» رواه مسلم.
فيُشْرَعُ فيها من الدعاء ما يجوز للإنسان أن يدعو به خارجها؛ قال الإمام بدر الدين العيني: قال الشافعي ومالك: يجوز أن يدعو فيها بكل ما يجوز الدعاء به في خارج الصلاة من أمور الدنيا والدين، مما يشبه كلام الناس، ولا تبطل صلاته بشيء من ذلك عندهما.
وممَّا لا يخفى أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله سلم دعاءٌ جليلٌ، ومن جلالته عدَّه العلماء من أفضل أنواع العبادات؛ فقد نقل الإمام القرطبي قول سهل بن عبد الله: الصلاة على محمد صلى الله عليه وآله وسلم أفضل العبادات؛ لأن الله تعالى تولاها هو وملائكته، ثم أمر بها المؤمنين، وسائر العبادات ليس كذلك، فهي دعاء جائزٌ في الصلاة على وجه العموم.

حكم الصلاة على النبي عليه السلام عند ذكر اسمه في الصلاة

أما الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم عند ذكر اسمه الشريف في الصلاة؛ فقد ذهب الشافعية إلى استحبابه، ويستوي في ذلك مَن كان ذاكرًا للاسم الكريم أو سامعًا له.
جاء في حاشية الشرواني على تحفة المحتاج: لو قرأ المصلي آية فيها اسم محمد صلى الله عليه وآله وسلم نُدِبَ له الصلاة عليه في الأقرب بالضمير، كـ: صلَّى الله عليه وآله وسلم، لا اللهم صلِّ على محمد.. والظاهر أنه لا فرق بين أن يقرأ، أو يسمع.
وجاء في حاشية قليوبي على شرح المنهاج: تنبيه: قد علم أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم تكون ركنًا تارة كالتشهد الأخير، وبعضًا تارة كالأول، وسنة تارة عند سماع ذكره، ومكروهةً تارة كتقديمها على محلها، فإذا أتى بها في غير محلها فيتجه أنه لا يسجد إلا أن يقصد بها أحد الأولين فراجعه.
وقد نص بعض الشافعية على تحديد الصيغة التي يُصَلَّى عليه بها عند سماع أو ذكر اسمه الكريم صلى الله عليه وآله وسلم؛ قال العلامة أحمد بن قاسم العبادي: لو قرأ المصلي آية فيها اسم محمد صلى الله عليه وآله وسلم نُدِبَ له الصلاة عليه في الأقرب بالضمير؛ كـ: صلَّى الله عليه وآله وسلم، لا بالظاهر نحو: اللهم صل على محمد؛ للاختلاف في بطلان الصلاة بركن قولي؛ أي: بنقله.
ولم يرَ السادةُ المالكيةُ بأسًا في الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم إذا ذُكر اسمه الكريم في الصلاة، بل نصوا على مشروعيتها.
قال الإمام الحطاب المالكي: إذا مرَّ ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قراءة الإمام، فلا بأس للمأموم أن يصلي عليه.

الأدلة على مشروعية الصلاة على النبي عليه السلام أثناء الصلاة

يدل على مشروعية الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم عند ذكر اسمه أو سماعه في الصلاة أيضًا عمومُ ما رُوي عن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «البخيلُ مَن ذُكِرْتُ عِندَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ» رواه الترمذي والحاكم وصحَّحاه، والمراد: من ذُكر عنده اسمه صلى الله عليه وآله وسلم.
قال الصنعاني: (مَن ذُكرتُ عنده)، أي: ذكر اسمي عنده، وقال: وكذا ذِكر كنيته وصفته وما يتعلق به من معجزاته، والحديث مطلق غير مقيدٍ بوقت أو حال؛ فيدل على أنها جائزة حينما يُذكر سواءٌ في الصلاة أو في غيرها.
وقال العلامة الحسين اللاعي: والحديث فيه دلالة على وجوب الصلاة عليه على جهة الإطلاق بصيغة الأمر.
والمقرر في علم الأصول أن الأمر المطلق يقتضي العموم البدلي في الأشخاص والأحوال والأزمنة والأمكنة؛ فإذا شرع الله تعالى أمرًا على جهة العموم أو الإطلاق فإنه يؤخذ على عمومه وسعته ولا يصح تخصيصه ولا تقييده بوجه دون وجه إلا بدليل، وإلا كان ذلك من الابتداع في الدين بتضييق ما وسَّعَه الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، مما يدلّ على جواز الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم عند ذكر اسمه العظيم في الصلاة.
ويُضاف إلى ذلك ما جاء في الآثار من أن الإنسان إذا كان في الصلاة، وقرأ أو سمع اسم سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم فإنه يصلي عليه؛ ومن هذه الآثار ما جاء عن الحسن: “إذا قال الرجل في الصلاة: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ﴾ فليصل عليه”، وجاء عن المغيرة قال: قلت لإبراهيم: أسمع الرجل وأنا أصلي يقول: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ﴾ أأصلي عليه؟ قال: نعم إن شئت.

توجيه رأي السادة الحنفية في هذه المسألة

لا يَرِد على ما قررناه ما جاء في نصوص الحنفية من فساد الصلاة إذا رد المأموم إذا سمع اسم الله تعالى فقال: جلَّ جلاله، أو النبي صلى الله عليه وآله وسلم فصلى عليه، أو قال لقراءة الإمام: صدق الله ورسوله؛ لأنها محمولة على قصد الجواب، أما قصد التعظيم فلا يؤثر في صحة الصلاة؛ لأنه لا ينافي أعمال الصلاة.
وقد قرر العلامة ابن عابدين أن من قصد الثناء والتعظيم لا تفسد صلاته؛ لأن تعظيم الله تعالى والصلاة على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم لا ينافي الصلاة، ومعلوم أن من يصلي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند ذكر أو سماع اسمه إنما يقصد تعظيمه.

مراعاة عدم الجهر بالصلاة على النبي عليه السلام أثناء الصلاة

ينبغي لمن يصلي عليه صلى الله عليه وآله وسلم في الصلاة ألَّا يجهر بها، بحيث لا يُشَوِّشُ على غيره.
قال الإمام الباجي: والصلاة عليه من الأذكار التي لا تنافي الصلاة، بل هي مشروعة فيها، وقد قيل: إذا سمع المأموم ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الصلاة والخطبة فصلى عليه أنه لا بأس بذلك، ولا يجهر به ولا يكثر منه، ومعنى “ولا يجهر به” لئلا يخلط على الناس، ومعنى “ولا يكثر” لئلا يشتغل بذلك عن صلاته.
وقال الإمام ابن أبي زيد القيرواني: وإذا سمع المأموم ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أو ذكر الجنة والنار في الصلاة أو الخطبة، فصلى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، واستعاذ من النار وسأل الجنة، فلا بأس بذلك، وليخفف، ولا يكثر منه