00 أيام
00 ساعات
00 دقائق
00 ثواني

🎉 افتتاح المتحف الكبير ! 🎉

عاجل

كان المساء ساكنًا بطريقة مريبة لا تخلو من الغرابة…ذلك النوع من السكون الذي لا يعني الهدوء تمامًا، سكون لا يحمل صمتاً فقط بل يحمل اعترافات مؤجلة ، أفكاراً لم تقل بعد ، وذكريات لا تزال تبحث عن مكان مناسب لتستقر فيه داخل القلب ، سكون يعني أن هناك شيئًا يستعد للظهور داخل النفس، قبل أن يظهر في الكلمات.
وكعادتي، كنت أجلس في غرفتي، أتصفح الفيسبوك ومواقع التواصل بلا رغبة حقيقية، وبلا هدف واضح فقط حركة أصابع تعبر الشاشة وكأنها تبحث عن شئ لا تعرف أسمه ، بينما العقل في مكان آخر تمامًا ، وفي الخلفية، كانت موسيقى عمر خيرت تدور وتخترق اعماقي وتفتش داخلي كما لو أنها تعرفني أكثر مما أعرف نفسي.
وكعادتها… لم تكن مجرد موسيقى ، كانت حالة ... حالة تُعيد ترتيب الداخل، وتدفع الذاكرة لتتجوّل حيث تشاء، مزاجاً يخطفني من الضوضاء التي لا تسمع ، لكنه يضعني في مواجهة ضوضاء أخرى داخل النفس ، ضوضاء الأسئلة.
وفي وسط هذا التدفق الهادئ من الصوت واللاشئ الرقمي ، ظهرت أمامي جملة عابرة، لكنها لم تعبُر: “ بعضنا لم يجد وقتاً ليكون سعيداً، لأنه كان مشغولاً جداً بمحاولة أن يكون قوياً ”  ، لم أتوقف عن معنى القوة ولا قسوتها احياناً ، ولا عن ألم السؤال عن السعادة أو شغف الحديث عنها … بل توقفت عند تلك الكلمة الصغيرة التي مرت بخفة لكنها تركت أثراً ثقيلاً ، كلمة بعضنا.. “البعض”حقاً ، فكل منا يشغله عالمه الخاص فكره المختلف ، بحثه عن شئ محدد يترك خلفه اشياء اخرى ، فالاولوية لما تختار ان تعيشه مستغنياً عن غيره.
وقتها أدركت أن هذه الكلمة الصغيرة تحمل داخلها فلسفة حياة كاملة، فالحياة لا تُبنى على "الجميع"، ولا تتشكل وفق "الكل"، الحياة تتحرك بـ البعض ، البعض يدخل حياتك كنعمة، والبعض الآخر يدخل كدرس ، بعض اللقاءات تمنحك الطريق، وبعض الخسارات تمنحك نفسك.
البعض يمر كنسمة صيف خفيفة… مؤقتة، لكنها لا تُنسى، تترك خلفها أثرًا ناعمًا يشبه لمعة مشاعر لم تُكتمل ، والبعض يمر كرياح شتوية قاسية، تزلزل كل ما حولك، تجبرك على التمسك بما تبقى فيك كي لا تنهار.. لكنها تمر… دائمًا تمر ، وحين تهدأ، تكتشف أنك كنت أقوى مما ظننت.
ومع "البعض"، ظهرت كلمة أخرى لا تقل ثِقَلًا: ليه؟
السؤال الذي يرافقنا كظل لا يفارق خطانا ،واذا فتشت داخلك بعمق ستجد إنها اداة إستفهام مرافقة لك ، وإنها أيضاً تلك الأداة التي ربما كثيراً لن تجد لها إجابة ، وكأن من أكثر كلمات الأغاني تعبيراً “اغنية الفنان الراحل عماد عبد الحليم وهو يقول “ليه كلمة ليه مش لاقية جواب .. ما تردي يادنيا بأي ندا .. ليه” ... ولا شك ان كل مرة سألت نفسك ليه!!، أصبت بعمق التفكير والغوص الذي يضفي عليك بعض النضج.
ليه؟ ، لماذا قال؟ لماذا سكت؟ ، لماذا فعل أو لم يفعل ؟ ، لماذا ساعد أو لم يساعد؟ ، لماذا أذى أو سند ؟ ،لماذا اقترب؟ ولماذا اختفى؟ ، لماذا أحببت؟ ولماذا لم ترَ؟ ، ولماذا جاء الفهم متأخرًا جدًا… أو حتى مبكرًا جدًا؟ ، نحن نظن أننا نريد الإجابة أو أن الاجابة ستريحنا ، لكن أحيانًا، الإجابة تكون أثقل وربما أقسى من السؤال ، وربما ايضاً انه لا توجد إجابة من الأساس ، وبعض الأسئلة لم تُخلق لتُجاب…بل لتوقظ شيئًا فينا كان نائمًا.
ربما هذا جوهر الفلسفة:الا نبحث عن حل بل عن معنى ، والا نحاول فهم كل شئ بل لنتعلم  كيف نعيش مع ما لا نفهمه…أن نرى العالم ليس كمعادلة تنتظر الحل، بل كرحلة تنتظر أن تُعاش.
تأملت كلمة البعض من جديد ، وقلت لنفسي بهدوء لم يكن فيّ من قبل ، البعض جاء ليُبقي ، والبعض جاء ليذهب… البعض ليُرمّم… والبعض ليكشف ما يحتاج الترميم أصلًا ، ومع الوقت نفهم ، أن اللقاء ليس صدفة، والغياب ليس عبثًا، وكل شخص عبر لم يأتِ بلا سبب، حتى لو لم نفهم السبب الآن ، لكن في كل الحالات .. الحياة تتحرك ، ونحن معها نكبر نتغير نتعلم ونكتشف ان كل لقاء كان ضرورة وكل انسحاب كان حكمة وكل سؤال بلا جواب كان مرحلة انتقال .. لا نهاية . 
وفي النهاية… ربما الحياة ليست بحثًا عن إجابة واحدة كبيرة، بل تراكم وعي صغير… يتشكل… ينضج… ويهدأ ،  لذلك، سأترك كلمة البعض كما هي: مساحة مفتوحة لكل من مر، ومن سيمر.
وسأترك كلمة ليه؟ في مكانها، دون استعجال…وكأنني أقول لها: لست مستعجلة… فالوقت كفيلٌ بأن يُجيب، حين تصبح الإجابة جزءًا من نضجي… لا من فضولي.

تم نسخ الرابط