00 أيام
00 ساعات
00 دقائق
00 ثواني

🎉 افتتاح المتحف الكبير ! 🎉

عاجل

ما حكم إنشاء دار مناسبات يقام فيها المآتم والأفراح؟

الافتاء
الافتاء

أوضحت دار الإفتاء أنه من المقرر شرعًا أن “الحرمة إذا لم تتعيَّن حَلَّتْ”؛ فإذا كان الشيء صالحًا للاستعمال على الوجهين: وجه الحلّ ووجه الحرمة، فإنَّ الإثم المترتب على استعماله بطريقة محرمة إنما يلحق مُستعمِلَه وحده، وليس على صانعه ولا بائعه ولا مُؤجِّره في ذلك من حرج.

وعليه: فيجوز إقامة قاعة أفراح، وإذا حدثت فيها مخالفات شرعية فالإثم إنما يلحق مرتكبها دون صاحب القاعة.

ما حكم العمل بمهنة الرسم والتكسب منها؟

الرسم من الفنون الجميلة التي لها أثرٌ طيبٌ في راحة النفوس والترويح، وقد أصبح الرسمُ أداةً مُهمَّةً في كثيرٍ من جوانب الحياة المعاصرة؛ من الناحية التعليمية، والطبية والتقنية، وغيرها؛ ممَّا يُشَكِّلُ أهميةً في بناء الحضارات الحديثة وتشييدها، وهو جائز شرعًا ما دام قد خَلَا من الموضوعات العارية أو تلك التي تثير الشهوة المحرمة.

ولا مانع شرعًا مِن الاشتغال بمهنة الرسم والتكسب منها؛ سواء أكان الرسم من وحي خياله أم مستوحًى من الطبيعة، وحتى لو كان المرسومُ ذا روح من إنسانٍ أو حيوان.

مفهوم الرسم وبيان أهميته


خلق الله تعالى الإنسان بغريزةٍ يميل بها إلى المستلذاتِ والطيِّباتِ التي يجد لها أثرًا في نفسه، به يهدأ ويرتاح، وبه يَنْشَط، وتسكن جَوَارِحُه، فينشرح بالمناظر الجميلة؛ كالخضرة المنسَّقة، والماء الصافي، والوجه الحسن، والروائح الزكيَّة، وإن الشرائع عمومًا لا تقضي على الغرائز بل تُنَظّمُها وتُهَذِّبُها، والتوسط في الإسلام أصلٌ عظيم أشار إليه القرآن الكريم في كثيرٍ من الجزئيات؛ منها قوله تعالى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا﴾ [الأعراف: 31]، وبهذا كانت شريعة الإسلام مُوَجِّهة الإنسان في مقتضيات الغريزة إلى الحدّ الوسط، فلم تأتِ لانتزاع الغريزة في حب المناظر الطيبة، وإنما جاءت بتهذيبها وتعديلها إلى ما لا ضرر فيه ولا شرَّ، كما قال فضيلة الإمام الأكبر الشيخ محمود شلتوت في “الفتاوى” (ص: 375-385، ط. الإدارة الثقافية بالأزهر).

والرسم (Drawing): هو انتقاش على سطحٍ مُعيَّنٍ، يُستخدم للتعبير عن المشاهدات والخواطر، وكذلك للمفاهيم والأفكار، والعواطف والتخيلات التي تُعطي شكلًا مرئيًّا للرموز والأشكال المُجَرَّدة، باستخدام أدواتٍ مُعيَّنة؛ كالحبر، أو الطباشير، أو الفحم، أو الألوان، ونحو ذلك؛ كما أفادت الموسوعة البريطانية (Encyclopaedia Britannica).
وقد أصبح الرسم أداةً مُهمَّةً في كثيرٍ من جوانب الحياة المعاصرة؛ من الناحية التعليمية، والطبية والتقنية، والصناعية والعسكرية والأمنية والإعلامية؛ ممَّا يُشَكِّلُ أهميةً في بناء الحضارات الحديثة وتشييدها.

ما ورد في الشرع من اتخاذ الصور المنقوشة


قد وردَ في السُّنَّة وآثار السلف الصالح من الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار، اتِّخاذ الصور المنقوشة على الأسطح أو على الوسائد والفُرُشِ أو الرَّقْم في الثَّوب، أو على الخواتم الملبوسة للزينة، أو نحو ذلك.

فعن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود: أنه دخل على أبي طلحة الأنصاري رضي الله عنه يعوده قال: فوجدنا عنده سهل بن حنيف رضي الله عنه، قال: فدعا أبو طلحة إنسانًا فنزع نمطًا تحته، فقال له سهل بن حنيف: لِمَ تنزعهُ؟ قال: لأن فيه تصاوير، وقد قال فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما قد علمت، قال سهلٌ رضي الله عنه: أولم يقل: «إِلَّا مَا كَانَ رَقْمًا فِي ثَوْبٍ»؟ قال: بلى، ولكنه أطيب لنفسي. أخرجه الإمام مالك في “الموطأ”، ومن طريقه: الترمذي في “السنن”، وأحمد في “المسند”، والنسائي في “المجتبى”، و”الكبرى”، والطحاوي في “شرح مشكل الآثار”، وابن حبان في “الصحيح”، وقال الترمذي: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

والحديث أصلُهُ متفقٌ عليه عند الشيخين من طريق الليث بن سعد عن بكير بن الأشج عن بسر بن سعيد عن زيد بن خالد عن أبي طلحة الأنصاري رضي الله عنه بلفظ: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ»، قال بسرٌ: ثم اشتكى زيد، فعدناه، فإذا على بابه ستر فيه صورة، فقلت لعبيد الله ربيب ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ألم يخبرنا زيد عن الصور يوم الأول؟! فقال عبيد الله: ألم تسمعه حين قال: «إِلَّا رَقْمًا فِي ثَوْبٍ»؟!

وهذا أيضًا مذهب عالم مصر ومفتيها: الإمام الليث بن سعد؛ كما ذكره ابن عبد البر في “التمهيد” (1/ 302، ط. أوقاف المغرب)، وهو قول الإمام الخطابي فيما نقله عن الإمام البغوي في “شرح السنة” (12/ 133، ط. الكتاب الإسلامي).

توجيه النهي الوارد عن اتخاذ الستائر المشتملة على الصور المنقوشة


أما ما ورد من النهي عن اتخاذ الستائر المشتملة على الصور المنقوشة: من حديث عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنهما قالت: “سترت سهوة لي بستر فيه تصاوير، فلما قدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم هتكه، فجعلت منه مسندتين، فرأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم متكئًا على إحداهما” أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف، وابن ماجه في السنن، فلم يكن لأجل التصاوير التي كانت عليها، بل كان لمعانٍ أخرى؛ كستر الجدار المتخذ من الحجارة أو الطين بهذه الستائر، وتعلق القلب من خلالها بالدنيا.

فأما تغطية الجدار:
فقد دل عليه جلوس النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليها حينما جُعلت وسائد يتكأ عليه، وهو ما صرحت به رواية أحمد في المسند بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «أتسترين الجدر يا عائشة؟!»، ورواية مسلم في الصحيح: «إن الله لم يأمرنا أن نكسو الحجارة والطين»، فقالت السيدة عائشة رضي الله عنها: “فقطعنا منه وسادتين وحشوتهما ليفًا، فلم يعب ذلك علي”.
قال العلامة البدر العيني في عمدة القاري: [فهذا يدل على أنه استعمل ما عملت منها؛ وهما المرفقتان].

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم حين جذب النمط وأزاله: «إن الله لم يأمرنا أن نكسو الحجارة والطين» يقتضي كراهة التنزيه لا التحريم؛ هذا هو الصحيح، إذ ليس في هذا الحديث ما يقتضي تحريمه؛ لأن حقيقة اللفظ: أن الله تعالى لم يأمرنا بذلك، وهذا يقتضي أنه ليس بواجب ولا مندوب، ولا يقتضي التحريم؛ كما في شرح صحيح مسلم للإمام النووي.

وأما تعلق القلب بالدنيا:
فقد دل عليه رواية أحمد في المسند: «يا عائشة، حوليه؛ فإني إذا رأيته ذكرت الدنيا»، فكأن رؤيته هي أسباب يتنعم بها الأغنياء مما تذهب بحلاوة قلوب الفقراء؛ وقد قال تعالى: ﴿ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجًا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى﴾ كما في مرقاة المفاتيح للعلامة القاري.
قال العلامة ابن رجب الحنبلي في فتح الباري: [وهذا إنما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يفعله امتثالًا لما أمره الله به: ألا يمد عينيه إلى زهرة الحياة الدنيا، فكان يتباعد عنها بكل وجه، وخصوصًا في حال عباداته ومناجاته لله، ووقوفه بين يديه واشتغاله بذكره، فإن ذلك كان هو قرة عينه].

ومع ذلك: فإن هذين المعنيين اللذين من أجلهما كانت الكراهة، غير حاصلين في اللوحات المرسومة الآن، حتى وإن علقت على الجدر ونحوها؛ لأن الأعراف قد تغيرت؛ فأصبحت الجدران تُكسى بالستائر وتُطلى بالألوان، وتُزخرف بالكتابات ونحو ذلك؛ سواء أكانت في المساجد أم في البيوت، ولم تعد هي المعلقة للقلوب والشاغلة لها عن الصلوات، بل إن ما عليه الفتوى أن زخرفة أماكن العبادة ونقشها؛ كالمساجد ونحوها، هو من تعظيمها وإعلاء شأنها؛ امتثالًا للأمر الشرعي برفعها وعمارتها وتشييدها كما في قوله تعالى: ﴿إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر﴾، وهو أمر جرى عليه عمل المسلمين منذ القرون الأولى، وتفننوا فيه، وذلك يتأكد في العصر الحاضر الذي صار النقش والتزيين فيه رمزًا للتقديس والتعظيم، والذي شيد الناس فيه بيوتهم ومنتدياتهم بكل غال ونفيس.

وأصبحت تُشيد المتاحف وتقام المعارض والمنتديات الخاصة وتعقد المسابقات لعرض اللوحات الفنية المرسومة، وصارت لها قيمة عالية في مختلف الأعراف والبلدان، بل أصبح الرسم قيمة حضارية، وبغية مجتمعية، يتخصص فيه أشخاص محدودون، واهتمت بذلك الدول المتحضرة، حتى أنشأت الكليات والمعاهد المتخصصة لهذا الغرض.

وعليه: فإذا انتفى الأمران اللذان تعلق بهما النهي؛ بأن أمن المصلي من الانشغال بهذه الرسوم في صلاته، ولم يتعلق قلبه بالدنيا بسببها: زالت علة النهي؛ لما تقرر في قواعد الفقه وأصوله أن الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا.

تم نسخ الرابط