00 أيام
00 ساعات
00 دقائق
00 ثواني

🎉 افتتاح المتحف الكبير ! 🎉

عاجل

في السنوات الأخيرة، شهدنا تحولاً جوهرياً في طبيعة الصراع الدولي، حيث انتقلت الحرب من ساحات القتال التقليدية إلى الميادين الاقتصادية، لتصبح العقوبات الاقتصادية السلاح المفضل للقوى العظمى في تحقيق أهدافها الجيوسياسية دون الحاجة إلى خوض حروب مكلفة لقد تحولت هذه العقوبات من مجرد أداة للضغط السياسي إلى أسلحة استراتيجية شاملة تهدف إلى شل قدرات الخصم الاقتصادية وعزله دولياً لكن هذا السلاح ذو حدين، فبينما تظهر الدراسات أن فعالية العقوبات في تحقيق أهدافها السياسية المباشرة محدودة للغاية، نجد أن تداعياتها غير المقصودة على النظام الدولي والاقتصاد العالمي هائلة وخطيرة.
عندما تفرض الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي حزمة عقوبات على دولة مثل روسيا أو إيران، فإن الهدف المعلن هو تغيير سلوك هذه الدولة أو إضعاف قدراتها العسكرية لكن الواقع يشير إلى أن هذه العقوبات نادراً ما تحقق أهدافها السياسية المباشرة، فالنظام الإيراني لم يتراجع عن برنامجه النووي، والنظام الروسي لم ينسحب من أوكرانيا بل على العكس، غالباً ما تؤدي العقوبات إلى نتائج عكسية، حيث تزيد من تماسك النظام المستهدف داخلياً، وتوفر له ذريعة لقمع المعارضة تحت شعار مواجهة "العدو الخارجي" الأكثر من ذلك، أن هذه العقوبات تدفع الدول المستهدفة إلى البحث عن شركاء جدد وبدائل إستراتيجية، كما نرى في التقارب الروسي الصيني المتصاعد، والتوجه الإيراني نحو الشرق، مما يعيد تشكيل التحالفات الدولية ويقوض النفوذ الغربي.
لكن الأخطر من ذلك هو التداعيات غير المقصودة للعقوبات على النظام الدولي بأكمله فأولاً، تقوض العقوبات أسس النظام المالي العالمي، حيث تدفع العديد من الدول إلى البحث عن أنظمة دفع بديلة بعيدة عن الدولار الأمريكي والأنظمة المصرفية الغربية، مما يهدد هيمنة الدولار كعملة احتياط عالمية ثانياً، تخلق العقوبات اقتصاديات موازية وأنظمة تمويل غير رسمية، تزدهر فيها الجريمة المنظمة والفساد ثالثاً، تؤدي العقوبات إلى اضطرابات في أسواق الطاقة والغذاء العالمية، كما حدث مع أزمة الغاز في أوروبا وأزمة القمح العالمية، مما يدفع ثمنهما دول لم تكن طرفاً في الصراع أساساً رابعاً، تخلق العقوبات سابقة خطيرة لاستخدام النظام المالي الدولي كسلاح، مما يقوض ثقة الدول في حياد هذا النظام واستقلاليته.
الأثر الإنساني المأساوي يمثل الجانب الأكثر إيلاماً في سياسة العقوبات فالحصار الاقتصادي الشامل، حتى عندما يستثني السلع الإنسانية، يؤدي حتماً إلى تدهور الظروف المعيشية للشعوب، وارتفاع معدلات الفقر، ونقص الأدوية والمواد الأساسية الشعب السوري واليمني والإيراني يدفع ثمن صراعات لا ناقة له فيها ولا جمل هذه المعاناة الإنسانية لا تثير فقط تساؤلات أخلاقية عميقة، بل تخلق أيضاً كرهاً للغرب وتغذي التطرف، مما يهدد الأمن العالمي على المدى الطويل.
في الختام، بينما تظل العقوبات الاقتصادية أداة مهمة في صندوق أدبار السياسة الخارجية، فإن الاعتماد المفرط عليها دون فهم عميق لتداعياتها قد يكون له عواقب عكسية لقد حان الوقت لإعادة تقييم جذرية لسياسة العقوبات، والانتقال من نهج العقاب الجماعي إلى عقوبات أكثر ذكاءً تستهدف النخب الحاكمة بشكل مباشر دون الإضرار بالشعوب كما يجب العمل على تطوير أطر دولية تحكم استخدام هذا السلاح الخطير، وتضمن ألا تتحول العقوبات من أداة للضغط السياسي إلى سلاح للعقاب الجماعي يقوض استقرار النظام الدولي بأكمل

تم نسخ الرابط