ما حكم الإخبار بما في الخاطب من عيوب؟.. الإفتاء توضح
سائل : ما حكم الإخبار بما يعرفه الرجل عن عيوب الخاطب عند استشارة جاره في شأن ابنته؟ هل يجوز له أن يخبره بها أم ينبغي أن يسترها؟
ما حكم الإخبار بما في الخاطب من عيوب؟
أكدت دار الإفتاءالمصرية :على الرجل المذكور الذي استشاره جارُه في شأن شاب تقدم لخطبة ابنته، وهو يعلم يقينًا عن هذا الشاب بعض الصفات غير الحسنة -أن يخبره بها، وعليه في سبيل ذلك أن يختصر هذه الصفات بعبارات عامة دون تصريح بها، نحو أن يقول له مثلًا: إنه لا يصلح لابنتك، فإن كان لا يفهمه أو لا يحصل الغرض المرجو من الجواب على السؤال إلا إذا صرح له بتلك الصفات كان له التصريح بما يعلمه فيه يقينًا من غير مبالغة، ولا إثم عليه حينئذ في ذلك ولا حرج.
التأنِّي والتَّروِّي في اختيار شريك الحياة المناسب
عقد النكاح ميثاق غليظ، وعهد جليل، أناط الشرع الشريف به جملةً من الأحكام الشرعية والقواعد المرعية التي تضمن لطرفيه بقاء الزواج واستقراره واستمراره على دعائم المودة والرحمة، قال الله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الروم: 21].
وقوام أمر الزواج ومبناه في بادئ أمره يعتمد على تأنِّي وتَروِّي كلا الطرفين في اختيار شريك مناسب للحياة بناءً على أسس شرعية، ومعايير عقلانية موزونة، وميل عاطفي منضبط، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «تُنكَحُ المَرأَةُ لِأَربَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظفَر بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَت يَدَاكَ» متفق عليه.
وعنه أيضًا رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا أَتَاكُم مَن تَرضَونَ خُلُقَهُ وَدِينَهُ فَزَوِّجُوهُ» أخرجه الإمامان: ابن ماجه واللفظ له، والتِّرمِذِي.
حكم الإخبار بما في الخاطب من عيوب
الشأن في أغلب أحوال الرجال والنساء حال تعارفهما أنه لا يظهر منهما إلا ما هو من جميل الخِلَال وطيب الخِصال؛ طلبًا للمودة، واستجلابًا للقبول، مع ما قد يَكتنف ذلك من كتمان بعض العيوب، وإخفاء لبعض النقائص، فلا يُؤمَن حينئذ أن يكون الظاهرُ خلافَ الباطن، ولا المُبْدَى غير المُضمَر، فرُبَّ حسن في مظهره، خادع في مخبره، إذ لا يُستبان معدنُ المرءِ إلا بطول المعاشرة، وكثرةِ الملابسة، أو بسؤال من له علم ودراية بأحواله، ممن طال به العهد، وامتدَّت به الصحبة، من قريب أو صديق أو مخالطٍ ملازم.
وعلى ذلك فمن تقدَّم لخطبة امرأة، وأراد وليُّها أن يحتاط لها بالسؤال عن المُتقدم للخطبة قبل إجابة طلبه أو رده واستشارة مَن هُم أعلم بأحواله، فإن على المستشار في هذا الأمر أن يكون ناصحًا أمينًا باذلًا لما فيه مصلحة السائل الذي أفضى إليه بسِرِّه وأمَّنه على نفسه؛ لأن بذل النصيحة لطالبها بالاستشارة في خاصة أمره من أعظم أنواع النصح والإرشاد.
والأصل في ذلك: عموم ما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «المُستَشَارُ مُؤتَمَنٌ» أخرجه الأئمة: أبو داود، والتِّرمِذِي، وابن ماجه.
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا استَنصَحَ أَحَدُكُم أَخَاهُ فَليَنصَح لَهُ» أخرجه الإمام البخاري مُعلقًا.
كما جاء فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم والصحابة من بعده رضوان الله عليهم دليلًا على مشروعية بيان المستشار في أمر الخاطب ما فيه من مساوئ وعيوب للسائل عن ذلك، على أن يكون القصد من ذلك حصول النصح للسائل والتحذير من المسؤول عنه، لا إيذاؤه ولا التشهير به، بل في ذكرها تحقيق لمصلحة مرجوة، وغرض شرعي صحيح لا يمكن التوصل إليه إلا بذكر عيوبه، وهو التحذير من شره، فيكون ذلك من الأعذار المُرخِّصَة لذكر مساوئ وعيوب الغير.
فقد روي أنَّ فاطمةَ بنت قيسٍ رضي الله عنها قالت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: إنَّ مُعاويةَ بن أبي سُفيَان وأبا جَهمٍ خَطَبانِي، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أَمَّا أَبُو جَهمٍ فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عَن عَاتِقِهِ، وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ، انكِحِي أُسَامَةَ بنَ زَيدٍ»، فكَرِهتُهُ، ثم قال: «انكِحِي أُسَامَةَ»، فنَكَحتُهُ، فجعلَ اللهُ فيه خيرًا، واغتَبَطتُ به. أخرجه الإمام مسلم.
وعن عمرو بن ميمونٍ رضي الله عنه قال: حدَّثني أبي أنَّ أخًا لبِلال كان ينتمي في العرب، ويزعم أنَّه منهم، فخطب امرأةً من العرب، فقالوا: إن حضر بلالٌ زوَّجناك، قال: فحضر بلال، فقال: «أَنَا بِلَالُ بنُ رَبَاحٍ، وَهَذَا أَخِي، وَهُوَ امرُؤُ سُوءٍ، سَيِّئُ الخُلُقِ وَالدِّينِ، فَإِن شِئتُم أَن تُزَوِّجُوهُ فَزَوِّجُوهُ، وَإِن شِئتُم أَن تَدَعُوهُ فَدَعُوهُ»، فقالوا: مَن تكُن أخاه نُزَوِّجه، فزَوَّجوه. أخرجه الإمامان: البيهقي في “السنن الكبرى”، والحاكم في “المستدرك” وقال: “صحيح الإسناد ولم يُخرجاه”.


