00 أيام
00 ساعات
00 دقائق
00 ثواني

🎉 افتتاح المتحف الكبير ! 🎉

عاجل

ما حكم تأخير الحمل مدة بسبب عدم القدرة على رعاية الأولاد؟

الحمل
الحمل

تثير مسألة تأخير الحمل في نقاشا واسعا بين الأزواج، خاصة مع تزايد أعباء الحياة ومتطلبات التربية، قد يشعر البعض بعدم القدرة على القيام بمسؤوليات الأبوة والأمومة كما ينبغي وهنا يبرز تساؤل : ما حكم تأخير الحمل مدة بسبب عدم القدرة على رعاية الأولاد؟

حث الشرع على رعاية الأبناء ودور الوالدين في ذلك

أوضحت دار الإفتاء: من عناية الشريعة الإسلامية بالأمور الأساسية التي لا تستقيم حياة الناس إلا بها، ولا تتحقق مصالحهم إلا بالحفاظ عليها ورعايتها، كالنفس والعقل والدين والنسل والمال، جعلت المحافظة عليها هي المقصود الأعلى لها، والذي عليه مدار أحكامها وتشريعاتها، حتى أطلق العلماء على ضرورة الحفاظ على هذه الأمور “مقاصد الشريعة الكلية” بحيث لا يخرج عن رعايتها حكم من الأحكام المنصوص عليها، وإليهم أيضًا المرجع والمآل فيما يستجد من النوازل والوقائع والأحوال.
ولما كان حفظ النسل من المقاصد الكلية التي حثت الشريعة على رعايتها، فقد فطر الله تعالى الإنسان على شدة التعلق والمحبة لذريته ونسله، حتى جعلهم من زينة الحياة الدنيا، قال تعالى: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [الكهف: 46].
فتحتم على الآباء بداعي الطبع وضرورة الفطرة بذل قصارى الجهد من أجل تنشئتهم تنشئة حسنة، إلا أنه لخطورة أثر التهاون أو الإهمال في حق الأولاد، مع تأكد تفاوت الناس في سلامة الطباع ونقاء الفطرة، واختلاف تقديرهم للمصالح والمفاسد، لم يترك الشرع الشريف أمر رعاية الأولاد موكولًا لعاطفة الآباء حيالهم أو مدى شفقتهم عليهم ورحمتهم بهم، بل ألزمهم بذلك إلزامًا حتميًا بوازع الأمر والتكليف الشرعي، حتى أخبر أنه لو لم يكن للإنسان إثم في حياته إلا أنه أضاع حق أولاده عليه، لكان عظم ذلك الإثم كافيًا حتى يحبط سائر عمله.
فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يقوت» أخرجه أبو داود في “السنن”.
قال العلامة محمد بن إسماعيل الصنعاني في “سبل السلام”: فإنه لا يكون آثمًا إلا على تركه لما يجب عليه، وقد بولغ هنا في إثمه بأن جعل ذلك الإثم كافيًا في هلاكه عن كل إثم سواه.
فإذا كان إثم إضاعة الأولاد كافيًا في هلاك الإنسان وموجبًا لعقوبته، فقد وجب حينئذٍ على الأزواج التحقق من مدى قدرتهم على رعاية أولادهم والقيام بحقهم، قبل الشروع في إنجابهم، ذلك لأن شؤون التربية والعطف والرعاية الصحية والنفسية والتعليمية تفوق في أهميتها أمر الإنفاق المادي، خاصة في مرحلة الطفولة؛ إذ إن سد حاجة الأولاد المادية قد ينوب فيها عن الآباء غيرهم من الأهل أو الأقارب، ولا يوجد من يستطيع أن يحل محلهم أو ينوب عنهم في سد حاجة الأولاد من الرعاية والتربية.

حكم تأخير الحمل مدة بسبب عدم القدرة على رعاية الأولاد


إذا غلب على الإنسان الظن أنه لن يحسن تربية أولاده أو أنه لا يستطيع أن يوفر لهم عوامل الطمأنينة والاستقرار والأمان والرعاية لسفر أو لمرض أو توقع خطر عليهم، شرع له حينئذٍ الامتناع عن الإنجاب، حتى يغلب على ظنه تحقق القدرة على القيام بذلك الحق، فيكون بذلك مراعيًا لظروفه وإمكاناته رافعًا عن نفسه إثم تكليف نفسه بما فوق وسعه وطاقته.
وذلك مقتضى ما تواردت عليه النصوص الشرعية، حيث أفادت أنه إذا خاف الزوجان أو أحدهما على ذريته من المشاق أو الضرر أو عدم القدرة على القيام بواجبه الشرعي نحوهم جاز أن يمتنع من الإنجاب حتى يزول ما يتخوف منه، وتتحقق لديه القدرة من القيام بحق رعايتهم؛ قال تعالى: ﴿لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ﴾ [البقرة: 233].
فالآية تفيد أن الإضرار بالأولاد منهي عنه من كل وجه، فكانت الوسيلة الموصلة لذلك منهيًا عنها لما قد تقرر أن ما أدى إلى الحرام فهو حرام، كما نص على ذلك الإمام عز الدين ابن عبد السلام في “قواعد الأحكام”.
قال الإمام الفخر الرازي في “التفسير الكبير”: ﴿لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا﴾ وإن كان خبرًا في الظاهر، لكن المراد منه النهي، وهو يتناول إساءتها إلى الولد بترك الرضاع، وترك التعهد والحفظ.
وقوله: ﴿وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ﴾ يتناول كل المضار، وذلك بأن يمنع الوالدة أن ترضعه وهي به أرأف، وقد يكون بأن يضيق عليها النفقة والكسوة أو بأن يسيء العشرة فيحملها ذلك على إضرارها بالولد، فكل ذلك داخل في هذا النهي.

كما تواردت نصوص السنة المطهرة على مشروعية اتخاذ وسائل منع الحمل إذا ثبت أنه يترتب على حصوله الإضرار بالولد، ومن ذلك: ما هم به النبي صلى الله عليه وآله وسلم من النهي عن الغيلة -وهي أن يصيب الرجل امرأته وهي ترضع ولدها، فتحمل فيضر لبنها رضيعها- فلما علم أن ذلك لن يضر بالولد لم ينه عنه، فعن جدامة بنت وهب الأسدية رضي الله عنها أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «لقد هممت أن أنهى عن الغيلة. حتى ذكرت أن الروم وفارس يصنعون ذلك فلا يضر أولادهم» أخرجه الإمام مسلم في “الصحيح”.

كما قد تبادر إلى فهم الصحابة رضي الله عنهم أن يتخذوا وسائل منع الحمل شفقة على أن يتضرر من حمل الأم ولدها الصغير، ولم يعارض النبي صلى الله عليه وآله وسلم صحة ذلك الفهم منهم، مع توضيحه أنه إذا لم يثبت الضرر لم يكن هناك ثمة داعٍ لمنع الحمل، فعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه «أن رجلًا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إني أعزل عن امرأتي. فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لم تفعل ذلك؟ فقال الرجل: أشفق على ولدها أو على أولادها. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لو كان ذلك ضارًا، ضر فارس والروم». وقال زهير في روايته: إن كان لذلك فلا. ما ضر ذلك فارس ولا الروم» أخرجه مسلم في “الصحيح”.
قال الإمام أبو الفرج ابن الجوزي في “شرح المشكل من حديث الصحيحين”: إنما خاف أن تحمل فيشرب ابنها المرضع اللبأ فيؤذيه، فقال: “لو ضر ذلك فارس” أي إنهم لا يحترزون من هذا وأبناؤهم حسان.
وقال الإمام أبو العباس القرطبي في “المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم”: قوله: لو كان ذلك ضارًا ضر فارس والروم.. وفيه حجة على إباحة العزل.
وقال الإمام حجة الإسلام أبو حامد الغزالي الشافعي في “الإحياء” في سياق بيان آداب معاشرة النساء ما محصله: الصحيح عندنا أن ذلك مباح، ثم تحدث عن البواعث المشروعة لإباحة العزل وقال: إنها خمسة، وعدّ منها: استبقاء جمال المرأة وحسن سماتها، واستبقاء حياتها خوفًا من خطر الولادة، والخوف من كثرة الحرج بسبب كثرة الأولاد، والتخفف من الحاجة إلى التعب والكسب، وهذا غير منهي عنه؛ لأن قلة الحرج معين على الدين.
وقال الشوكاني في “نيل الأوطار”: إن الأمور التي تحمل على العزل: الإشفاق على الولد الرضيع خشية الحمل مدة الرضاع، والفرار من كثرة العيال، والفرار من حصولهم من الأصل.

تم نسخ الرابط