عقوبة الأمومة في سوق العمل.. كيف يمكن للنساء كسر هذا الحاجز؟
في قلب الحياة المهنية المتسارعة، تعيش الأم العاملة تحت ضغط مزدوج هو العبء الوظيفي من جهة، ومتطلّبات الأمومة من جهة أخرى.
هذا التوازن يصطدم بما يعرف في أدبيات العمل بـ «عقوبة الأمومة» أو Motherhood Penalty؛ وهي الظاهرة التي تُشير إلى الفوارق المهنية والمالية التي تواجهها الأم بسبب وجود أطفال.
وفق استطلاع حديث، فإن 86% من الأمهات العاملات يشعرن بأن إجازة الأمومة أضرت بمسارهن المهني، و73% يُنظر إليهن على أنهن أقل التزامًا أو طموحًا بمجرد أنهن أصبحن أمهات.
في هذا المقال نسلّط الضوء على أصل المشكلة، مظاهرها، ثمّ نقترح خطوات عملية للأم العاملة، ولأرباب العمل. للخروج من هذا المأزق إلى بيئة عمل أكثر عدالة واستدامة.
ما هي "عقوبة الأمومة"؟
«عقوبة الأمومة» هي تراجع في فرص الترقّي أو الأجر أو جودة العمل بعد أن تصبح المرأة أمًّا. يشير بحث لـ Global Institute for Women’s Leadership إلى أن الأمهات يعانين نادراً من رفض العمل، لكنهن أكثر عرضة لوظائف بأجور منخفضة أو أقل فرصاً للتطوّر.
في الهند، مثلاً، قالت 75% من الأمهات العاملات إنهن واجهن تراجعاً في المسار المهني بعد العودة من إجازة الأمومة.
في المملكة المتحدة، وجدت دراسة نشرت في The Guardian أن الأمهات يخسرن في المتوسط أكثر من 65 ألف جنيه إسترليني في التعويضات/الأجور خلال السنوات الخمس الأولى بعد إنجاب أول طفل.
المقارنة بين الأم العاملة والأم ربة البيت.. إلى متى؟
أبرز العوامل التي تؤدي لهذه العقوبة
انقطاع أو تخفيض ساعات العمل بعد الولادة أو في تربية الأطفال، ما يؤدي لتراجع في “رأس المال المهني” ومهارات العمل.
التحوّل إلى عمل بدوام غير كامل أو وظيفي أقل تطوراً، مما يقلّل فرص التدرّج المهني.
الوصم المهني لدى بعض أرباب العمل أو الزملاء بأن الأم «غير متوفّرة بالكامل» أو أقل التزامًا، ما ينعكس على التقييم والترقيات.
غياب سياسات دعم واضحة داخل المؤسسات مثل مرونة العمل، رعاية الأطفال، أو إجازات أمومة مناسبة، ما يفاقم التحديات.
المفاوضة على مرونة العمل
قبل العودة من إجازة الأمومة أو حين الدخول في العمل مجدداً، يُنصح بالتفاوض على ساعات مرنة أو خيار «العمل عن بُعد» إن أمكن، لأنه أثبت فعاليته في تقليل العقوبة، حسب ما ذكر في موقع HR Reporter.
الحفاظ على الاتصال المهني خلال الإجازة
سواء عبر تحديث المهارات أو التواصل مع الزملاء والمشاريع، حتى لا يفقد المهني ارتباطه بسوق العمل.
توضيح القيمة التي تضيفينها في العمل
التركيز على الإنجازات والنتائج بدلاً من المناقشة حول وقت الغياب أو تغيير الجدول، لتقليل الانطباعات السلبية.
طلب دعم واضح من المؤسسة
مثل رعاية أطفال داخل مقر العمل أو بدل رعاية، أو محفّزات للعودة السريعة.
بناء شبكة دعم داخل وخارج العمل
سواء من زميلات أخريات، أو من مؤسسات نسائية، لمشاركة الخبرات والمصادر والدعم النفسي.
الحفاظ على تطوير المهارات
متابعة الاتجاهات المتغيّرة في المهنة، حتى بعد الأمومة، لتجنب أن يصبح “الفائض الزمني” عائقاً للترقية.
إعادة النظر في المسار المهني
ربما بتحديد أهداف مؤقتة قابلة للإنجاز أثناء تربية الأطفال، ثم العودة لخطة النمو الكامل فيما بعد.
ماذا يمكن للمؤسسات أن تفعل؟
تبني سياسات واضحة لإجازة الأمومة والأبوة والعودة للعمل.
اعتماد ممارسات تقييم عادلة لا تخلط بين التزام الأمومة وطموح الموظفة.
توفير رعاية داخل العمل أو تعاون مع مقدّمي خدمات الأطفال لتسهيل الحضور والتركيز.
انعاش ثقافة عمل تدعم التنوع العائلي وتقدّر الالتزامات المنزلية كجزء من التجربة البشرية الثرية.
«عقوبة الأمومة» ليست مجرد عبارة نظرية، بل واقع ميداني تعانيه كثير من الأمهات العاملات في أنحاء العالم.
لكن كما رأينا، ليست محتومة. من خلال وعي الأم، ودعم المؤسسة، وسياسات واضحة، يمكن تحويل التحدي إلى فرصة؛ ليست فقط للحفاظ على مسيرة مهنية مزدهرة، بل أيضاً لتأسيس بيئة عمل أكثر عدالة وشمولاً.
إن الأم التي تحتضن أطفالها وتُثبت حضورها المهني في آن واحد، ليس عليها أن تختار بين الاثنين. وهي لا تحتاج لطلب الإذن لذلك.