حوار أهل النار والجنة.. ما المقصود بـ «أن أفيضوا علينا من الماء»؟
تحدث القرآن الكريم عن حوار أهل النار والجنة حيث طالبوهم بأن يعطوهم من الماء، فكيف يكون طلبهم وهم في العذاب؟
حوار أهل النار والجنة
وواصل الدكتور جمال الأكشة الأستاذ بجامعة الأزهر حديثه عن معاني آيات القرآن وقَولَ اللهُ تَعَالَى: {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الكَفِرِينَ • الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ}[الأعراف: ٥٠- ٥١]
{ونادى أصحابُ النار أصحابَ الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله} يخبر المولى سبحانه وتعالى عن المحاورة بين أهل النار وأهل الجنة بعد أن استقر بكلٍ من الفريقين القرار ، واطمأنت به الدار ، وعن استغاثتهم بهم عند نزول عظيم البلاء ، من شدة العطش والجوع.
والمعنى: ينادونهم يوم القيامة أغيثونا بشيء من الماء ؛ لنُسْكِنَ به حرارة النار والعطش ، أو مما رزقكم الله من غيره من الأشرية فقد قتلنا العطش. {قالوا إن الله حرمهما على الكافرين} أي منع الكافرين شراب الجنة وطعامها.
قال ابن عباس: يُنَادى الرجلُ أخاه وأباه فيقولُ: قد احترقتُ فأفض علىَّ من الماء! فيُقال لهم أجيبوهم فيقولون: إن الله حرمهما على الكافرين.
فضل سقي الماء
وفي هذه الآية دليل على أن سقي الماء من أفضل الأعمال، فقد سُئِل ابن عباس رضي الله عنهما: أيُّ الصدقة أفضل؟ فقال: الماء ، ألم تروا إلى أهل النار حين استغاثوا بأهل الجنة: {أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله}.
وقد روي عن سعد بن عبادة - رضي الله عنه - "أنَّ أُمَّهُ ماتت، فقال : يا رسولَ اللهِ ! إنَّ أمي ماتت ، أفأتصدقُ عنها ؟ قال : نعم . قال : فأيُّ الصدقةِ أفضلُ . قال : سقْيُ الماءِ فتلك سقايةُ سعدٍ بالمدينةِ". أخرجه النسائي (٣٦٦٦) واللفظ له ، وأبو داود (١٦٨١)، وابن ماجه (٣٦٨٤) باختلاف يسير، وابن حبان في صحيحه (٣٣٤٨)، وصححه السيوطي في الجامع الصغير(١٢٥٥).
وأيضا ما روي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"بيْنا رَجُلٌ بطَرِيقٍ ، اشْتَدَّ عليه العَطَشُ ، فَوَجَدَ بئْرًا ، فَنَزَلَ فِيها ، فَشَرِبَ ثُمَّ خَرَجَ ، فَإِذا كَلْبٌ يَلْهَثُ ، يَأْكُلُ الثَّرى مِنَ العَطَشِ ، فَقالَ الرَّجُلُ: لقَدْ بَلَغَ هذا الكَلْبَ مِنَ العَطَشِ مِثْلُ الذي كانَ بَلَغَ مِنِّي ، فَنَزَلَ البِئْرَ فَمَلأ خُفَّهُ ماءً ، فَسَقى الكَلْبَ ، فَشَكَرَ اللَّهُ له فَغَفَرَ له ، قالوا: يا رَسُولَ اللَّهِ ، وإنَّ لَنا في البَهائِمِ لَأَجْرًا؟ فَقالَ: في كُلِّ ذاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ".أخرجه البخاري (٢٤٦٦) ، ومسلم (٢٢٤٤) باختلاف يسير.
ثم وصف الله تعالى الكافرين بقوله {الذين اتخذوا دينهم لهواً ولعباً} أى هَزِءوا من دين الله ، وجعلوا الدين سخرية ولعبا {وغرتهم الحياة الدنيا} أى خدعتهم بزخارفها العاجلة، وشهواتها القاتلة، وهذا شأنها مع أهلها تَغرُّ وتَضرُّ، وتخدع ثم تصرع، {فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا} أي ففي هذا اليوم نتركهم في العذاب كما تركوا العمل للقاء يومهم هذا ، فلم يخطر ببالهم ولم يهتموا به.
قال الألوسي: الكلام خارج مخرج التمثيل أي نتركهم في النار وننساهم مثل نسيانهم لقاء هذا اليوم العظيم الذي ينبغي ألا يُنسى.
وقال ابن كثير: أي يعاملهم معاملة من نسيهم ؛ لأنه تعالى لا يشذُّ عن علمه شيء ولا ينساه. {وما كانوا بآياتنا يجحدون} أي وكما كانوا منكرين لآيات الله في الدنيا، يكذبون بها ويستهزءون، ننساهم في العذاب.
قال ابن عباس: نتركهم كما تركوا لقاء يومهم هذا.
وقال مجاهد: نتركهم في النار. وقال السُّدِّيُّ: نتركهم من الرحمة كما تركوا أن يعملوا للقاء يومهم هذا.
ويخاطب المولى عز وجل العبد يوم القيامة كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه:"قالَ: فَيَلْقى العَبْدَ، فيَقولُ: أَيْ فُلْ - أي فلان - ، أَلَمْ أُكْرِمْكَ، وَأُسَوِّدْكَ (أي وجعلتك سيدا)، وَأُزَوِّجْكَ ، وَأُسَخِّرْ لكَ الخَيْلَ والإِبِلَ، وَأَذَرْكَ تَرْأَسُ(أي تتولى أمور الناس) وَتَرْبَعُ(أي تأخذ ربع الغنيمة ، وكانوا في الجاهلية سيد القوم يأخذ ربع الغنيمة ، وقيل: تستريح)؟! فيَقولُ: بَلى ، قالَ: فيَقولُ: أَفَظَنَنْتَ أنَّكَ مُلاقِيَّ؟ فيَقولُ: لا ، فيَقولُ: فإنِّي أَنْساكَ كما نَسِيتَنِي....الحديث". صحيح مسلم





