مداحون على مائدة نيوز رووم |"الكحلاوي".. كيف تحول من مطرب إلى شيخ المداحين؟
انطلاقا من اهتمام موقع "نيوز رووم" الإخباري بتسليط الضوء على الإنشادالديني والمدائح النبوية ، أطلق الموقع بابا خاصا بعنوان "مداحون على مائدة نيوز رووم"، يفتح نافذة واسعة على عالم الإنشاد والمديح النبوي ، ذلك الفن الأصيل الذي جمع بين الكلمة الراقية واللحن المعبر والروح الذاكرة.
يهدف الباب إلى تقديم قراءات معمقة في تجارب كبار المنشدين والمداحين، ورصد التحولات التي شهدها هذا الفن عبر العقود، بدءا من حلقات الذكر والمناسبات الشعبية، وصولا إلى المسارح الكبرى والمنصات الرقمية الحديثة. كما يسعى إلى إبراز القيمة الجمالية والرسالة الروحية التي يحملها الإنشاد في تعزيز القيم الأخلاقية والتسامح من خلال مدح النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه والتعريف بشمائله، وربط الأجيال الجديدة بتراثها الديني العريق.
"مداحون على مائدة نيوز رووم" ليس مجرد باب فني، بل مساحة للحوار بين الماضي والحاضر، بين الأداء التقليدي والمدرسة الحديثة، وبين النغمة التي تفيض إيمانا والكلمة التي تضيء طريق السالكين إلى الجمال والإيمان.
مداح الرسول“محمد الكحلاوي”
في مشهد فني لم يكن متوقعا بالكامل صنع محمد مرسي عبد اللطيف المعروف فنيا باسم محمد الكحلاوي واحدا من أكثر التحولات وضوحا في تاريخ الغناء المصري من مسار الغناء الشعبي والتمثيل الى التفرد بالمدائح النبوية والأغاني الدينية التي عرفه من خلالها الجمهور حتى لقّب بـ«مداح الرسول» و«شيخ المداحين».
الشعبي والموال
بدايات فنية مزدوجة ولد الكحلاوي في منيا القمح بمحافظة الشرقية عام 1912، وفقد والديه في مرحلة الطفولة المبكرة فترعرع تحت رعاية خاله الذي كان فنانا مما غرس فيه الصلة بالوسط الفني منذ صغره, كانت محطات عمره الاولى بين العمل في فرق الغناء الشعبي والموال، والاشتغال بالاذاعة والتمثيل، حتى صار اسمه مألوفا في ساحات الطرب والسينما المحلية.
وقفات شخصية
التحول لم يكن لحظة عابرة بل مسارا تراكميا إلى جانب القرب من الموروث الديني الشعبي ونجاحه في تقديم مواليد دينية بسيطة ومباشرة، شهدت حياته وقفات شخصية ورؤى دفعته الى اعادة توجيه فنه. المصادر تشير الى ان الكحلاوي بدأ يكرس جهدا اكبر للمدائح النبوية في منتصف حياته الفنية، ثم تفرغ لاحقا للانشاد الديني ومناسبات المولد والابتهالات التي جذبت شريحة واسعة من المستمعين.
أسلوبه الفني ومواد الانتقال لم يكن الكحلاوي يتحول بمعزل عن عناصر فنية واضحة: حافظ على طابعه الصوتي الشعبي ومخزون الالحان التي كانت قابلة للتكييف مع نصوص مدحية, هذه الميزات سهّلت عملية النقل من الاغنية العاطفية والموال الى المديح الديني، فبنى نسقا يقدم المضمون الديني بلغة موسيقية مألوفة لدى الجمهور الشعبي، ما جعل الانتقال مقنعا لدى الاتساع الجماهيري. اشهر اغانيه في هذا الاتجاه احتفظت ببصمته مثل «لاجل النبي» و«يا قلبي صلي على النبي».
ردود فعل الجمهور
استقبل الكحلاوي في مساره الجديد بقبول كبير، ليس فقط لصدق الاداء بل لان التحول جاء متماهيا مع ميل عام لدى فئات واسعة الى الاستماع للاغانى ذات البُعد الديني والوطني. النقد اشار احيانا الى تساؤلات حول حدود التجديد الموسيقي في المجال الديني، لكن اغنيات الكحلاوي بقيت حجر اساس في ذاكرة المولد والاحتفاءات الدينية لسنوات طويلة.
تأثير المدائح
العوامل الشخصية والاجتماعية من عوامل التحول ايضا في حياة “الكحلاوي”، بالاضافة الى بيئة فنية محيطة واعية بمقدار تأثير المدائح على عدد من الجماهير الدينية. رقعة النشاطات الدينية ونداءات الجمهور الى فنان يحمل رسالة روحية شكلت دافعا اضافيا للتفرغ لهذا اللون.
الارث الفني والتأثير اليوم يُنظر الى تجربة الكحلاوي كنموذج لكيف يمكن لصوت مطربي العصر الذهبي ان يعيد تشكيل دوره ليتقاطع مع البعد الديني والاجتماعي. الانتاج الذي تركه يتراوح بين الالحان الشعبية والاغاني الدينية، ويراه نقاد ومؤرخو فن منجزا له قيمة تراثية في فهم تقاطعات الفن والدين في مصر خلال القرن العشرين.
مخاطبة مشاعر
خاتمة قصة المنشد محمد الكحلاوي ليست مجرد تغيير في مسار فنان، بل مثال حي على تداخل الرغبات الفردية والنبض الجماهيري مع وظيفة الفن كمجال للتعبير الروحي والاجتماعي, التحول الذي اختاره احتاج منحه الوقت والاملاء الصوتي والقدرة على مخاطبة مشاعر المستمعين بطريقة مباشرة وبسيطة وهذا ما فعله فأصبح علامة لا تنسى في نسيج الاغنية الدينية المصرية.

