مسجد العباسي برشيد.. منارة الإيمان وشاهد النصر على حملة فريزر
في مدينة رشيد بمحافظة البحيرة، المدينة التي خلدت اسمها في صفحات المجد الوطني، يقف مسجد العباسي شاهدًا على عظمة التاريخ وروح البطولة التي سكنت أبناء رشيد منذ قرون.
فالمسجد ليس مجرد بيتٍ من بيوت الله، بل رمز وطني خالد انطلقت من أروقته صيحات المجاهدين الذين تصدوا لحملة فريزر الإنجليزية عام 1807م، لتصبح جدرانه شاهدة على واحدة من أشرس معارك الكفاح الشعبي في تاريخ مصر الحديث.
يقع المسجد في الطرف الجنوبي من المدينة، بالقرب من شاطئ النيل الخالد، في موقعٍ يجمع بين عبق التاريخ وسحر الطبيعة.
وقد سُمي باسم السيد محمد العباسي، أحد أولياء الله الصالحين، الذي دُفن في رحابه، فصار المسجد مزارًا روحانيًا يقصده الزوار من مختلف الأنحاء، يتبركون ببركته ويستعيدون من أجوائه روح المقاومة والإيمان.
يُعد مسجد العباسي من أبرز المعالم الإسلامية في رشيد، لما يجمعه من قيمة دينية وتاريخية ومعمارية فريدة.
شيد المسجد باستخدام الطوب الرشيدي المنجور، وهو طوب صغير الحجم استخدم في عمارة رشيد القديمة، ما أكسبه طابعًا محليًا مميزًا.
تتميز واجهاته بزخارف هندسية دقيقة ومداميك أفقية مكحولة تتخللها ميدات خشبية تضفي لمسة جمالية خاصة، فيما يعلو مدخله عقد ثلاثي مزخرف بالطوب، تتوسطه فتحات معقودة تسمح بدخول الضوء إلى الداخل بانسيابية جميلة.
ويعتبر المدخل والواجهة مثالا مميزا لعمارة المساجد الإقليمية التي شُيدت في القرنين السابع عشر إلى التاسع عشر الميلادي، والتي تميزت بالبساطة والاتزان، أما القبة التي تعلو الضريح، فهي على قاعدة مربعة وقبة نصف كروية أنيقة تمثل الطراز الإقليمي في ذلك العصر، كذلك، جاءت المئذنة المثمنة الشكل ذات الدورة الواحدة تعلوها خوذة صغيرة تضيف للمسجد شموخا خاصا يميز مآذن رشيد.
وفي داخل المسجد، تظهر روح البساطة والجلال، حيث ينتظم صفان من العقود تستند إلى أعمدة رخامية أنيقة تحمل السقف الخشبي الذي ما زالت نقوشه الملونة باقية رغم مرور الزمن، هذه النقوش تروي براعة البنائين والحرفيين الذين صنعوا من الحجر والخشب تحفة فنية تعبر عن إيمانهم وإبداعهم.
أما الضريح، فيقع على يمين المدخل، ويغلق بباب خشبي فاخر مطعّم بالصدف والعاج، محفور عليه اسم الصانع، مما يعكس دقة الصنعة وجمال الفن الإسلامي المحلي.
يبقى مسجد العباسي في رشيد شاهدا حيا على تلاحم الإيمان والوطنية، ورمزا خالدا يربط الماضي بالحاضر، ويدعو الأجيال الجديدة إلى الفخر بتاريخ مدينتهم العريق، حيث تظل مآذنه وقبابه تروي قصة مدينة واجهت الغزاة بالإيمان والسيف، وكتبت اسمها بحروف من نور في ذاكرة الوطن.