لبنان على حافة بركان بعد تهديد كاتس لحزب الله وجوزيف عون
تشهد الساحة اللبنانية حالة من الغموض والترقب بين احتمال اندلاع حرب شاملة مع إسرائيل أو استمرار الضربات الجوية المحدودة على الجنوب ضمن ما يوصف بـ"حرب الاستنزاف" ضد حزب الله.
ويأتي ذلك في ظل تصاعد اللهجة الإسرائيلية والأمريكية تجاه لبنان، خاصة بعد تصريحات المبعوث الأمريكي توم باراك التي انسجمت مع تهديدات وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي يسرائيل كاتس، الذي قال إن حزب الله يلعب بالنار، والرئيس اللبناني يماطل.

مأزق السلاح وتباين المواقف
في ظل احتدام المشهد الإقليمي، بات الخلاف واضحاً داخل القيادة اللبنانية حول كيفية التعامل مع ملف سلاح حزب الله. فالرئيس جوزيف عون ورئيس الحكومة نواف سلام يقدمان رؤيتين متباينتين لمعالجة القضية الأكثر حساسية في البلاد.
وترى الباحثة في التواصل السياسي نسرين علي ميتا أن هذا التباين يعكس عمق المأزق اللبناني، موضحة أن القضية لم تعد مجرد إجراء داخلي، بل تمس جوهر القرار الوطني في قضايا الحرب والسلم وحدود السيادة.
وتضيف أن الرئيس اللبناني جوزيف عون يتعامل مع الملف بحذر شديد، مدركاً خطورة المرحلة، مفضلاً خطاب الاحتواء على المواجهة المباشرة، وهو ما لا يعني القبول بالأمر الواقع بقدر ما يعكس وعياً بتعقيدات الداخل اللبناني والتجاذبات الإقليمية التي تجعل نزع السلاح قراراً يفوق قدرة المؤسسات وحدها.

في المقابل، تتسم مواقف رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام بالحزم، إذ يرى أن حصر السلاح بيد الدولة هو المدخل الوحيد لإنقاذ لبنان من الانهيار، مستنداً إلى الشرعية الدستورية والدولية، ومؤكداً أن تأجيل هذا الاستحقاق لم يعد ممكناً في ظل الانهيار الوطني الشامل.
وتشير ميتا إلى أن الحل يكمن في توافق الرئاسة والحكومة على مقاربة موحدة تعيد للدولة قرارها السيادي وتمنع تحويل لبنان إلى ساحة تصفية حسابات، قائلة إن "لبنان بحاجة إلى مشروع دولة لا تساوم على سيادتها أو سلمها الأهلي".
ضغوط دولية ومواقف رمادية.
تصريحات توم باراك ضد لبنان
أما الباحث السياسي ميشال شماعي فيعتبر أن تصريحات كاتس وباراك تعبر عن قلق حقيقي من المماطلة اللبنانية، موضحاً أن استمرار المواقف الرمادية من قبل الرئاسة قد يضع لبنان في خانة "الدول الفاشلة"، ما يعني رفع الغطاء الدولي عنه وفتح الباب أمام إسرائيل للتحرك عسكرياً دون رادع.
وأضاف شماعي في حديثه أن التباين بين الرئيس جوزيف عون ورئيس الحكومة نواف سلام بشأن تنفيذ قرارات نزع السلاح يهدد بتقويض هيبة السلطة التنفيذية ويضعف قدرة الدولة على فرض سيادتها، محذراً من أن أي تردد في تنفيذ القرارات المتخذة خلال جلستي الخامس والسابع من أغسطس الماضي قد يؤدي إلى نتائج كارثية على المستوى الوطني.
3 سيناريوهات تحدد مستقبل لبنان
ويرى الباحث الاستراتيجي خالد ناصيف أن التصعيد الإسرائيلي الأخير ليس عشوائياً، بل يهدف لتحقيق هدفين أساسيين: نزع سلاح حزب الله وإخراجه من الجنوب اللبناني.
ويعتبر أن اتهام الرئيس اللبناني بالمماطلة محاولة إسرائيلية لتحميل الدولة مسؤولية تصرفات الحزب وتجريدها من شرعية الحياد، و يمكن تلخيص المرحلة المقبلة بثلاثة سيناريوهات رئيسية:
- أولًا استمرار التصعيد المنضبط وهو السيناريو الأقرب حالياً، ويعني مواصلة الغارات الإسرائيلية على مواقع الحزب في الجنوب بهدف استنزافه وتعديل قواعد الاشتباك دون الانزلاق إلى حرب شاملة.
- ثانيًا التهدئة الدبلوماسية من خلال وساطة دولية بقيادة أمريكية وفرنسية إلى وقف إطلاق نار مستدام وترسيم الحدود البرية، مقابل انسحاب جزئي لحزب الله من المنطقة الحدودية، وهو احتمال متوسط الوقوع.
ثالثًا الحرب الشاملة وتتحقق في حال شنت إسرائيل هجوماً واسعاً يستهدف البنية التحتية اللبنانية والعمق المدني في بيروت والضاحية الجنوبية، وهو سيناريو يظل احتماله متوسطاً إلى منخفض، لكنه يبقى قائماً إذا أقدم حزب الله على تصعيد نوعي يكسر قواعد الاشتباك الحالية.
ويختتم ناصيف بالقول إن إسرائيل لن تذهب إلى الحرب الكاملة إلا إذا رأت أن تكلفة الوضع الراهن باتت أعلى من تكلفة المواجهة، مشيراً إلى أن لبنان يقف اليوم أمام مفترق طرق خطير، بين الحفاظ على استقراره الهش أو الانزلاق إلى مواجهة مفتوحة قد تعيد رسم خريطته السياسية والأمنية بالكامل.



