هل يجوز شراء السلع المخفضة وبيعها بسعر السوق؟ دار الإفتاء توضح الشروط
أكدت دار الإفتاء جواز شراء السلع التي تُقدِّمها الشركات للعاملين فيها بخصومات خاصة، ثم بيعها بعد ذلك بسعر السوق، موضحة أن هذا الفعل لا حرج فيه شرعًا طالما تم وفق ضوابط البيع الصحيحة، وبما لا يخالف لوائح الشركة أو يخل بالأمانة المهنية.
شراء السلع المخفضة وبيعها بسعر السوق
جاء ذلك في رد الدار على سؤال ورد إليها بشأن حكم شراء أحد الموظفين السلع المخفضة التي توفرها شركته للعاملين، بقصد بيعها لاحقًا لتحقيق ربح، رغم أنه لا يحتاج إلى هذه السلع لنفسه وقت الشراء. وأوضحت دار الإفتاء أن الأصل في هذه المعاملة الجواز، إذ إن الخصومات التي تمنحها بعض الشركات للعاملين بها تُعد تخفيضًا في ثمن السلعة قبل تمام البيع، ومن ثم يصبح الثمن بعد الخصم هو السعر الحقيقي الذي تم عليه التعاقد، وليس السعر السابق قبل الخصم.
وأضافت الدار أن المشتري بعد إتمام البيع يصبح مالكًا للسلعة ملكية تامة، ويجوز له أن يتصرف فيها كيف شاء، سواء بالاستعمال أو الهبة أو البيع، مؤكدة أن هذا يدخل في نطاق حرية التصرف المشروع التي تترتب على الملكية الكاملة. واستشهدت دار الإفتاء بقول الإمام القرافي في الفروق: «المِلك إباحةٌ شرعيَّةٌ في عينٍ أو منفعةٍ تقتضي تمكُّن صاحبها من الانتفاع بها أو أخذ العوض عنها»، وبقول الفقهاء إن "من ملك شيئًا أُبيح له التصرف فيه من غير شرط ولا قيد".
نية التربح
وبيّنت دار الإفتاء أن شراء العامل للسلع المخفضة بقصد إعادة بيعها لا يقدح في صحة العقد، حتى لو لم يكن في حاجة إليها عند الشراء، لأن التجارة في أصلها تقوم على الاسترباح من البيع والشراء. واستشهدت بما قاله الإمام السرخسي في المبسوط: «لا فساد في قصد البائع، فإن قصده التجارة بالتصرّف فيما هو حلال لاكتساب الربح».
وأوضحت الدار أن من حق العامل أن ينتفع من الخصومات التي تُقدِّمها شركته ما دام ذلك مباحًا ومسموحًا به وفق لوائح العمل، مؤكدة أن المخالفة لا تكون في أصل المعاملة، وإنما في تجاوز القواعد الإدارية أو إساءة استخدام الامتيازات المقررة للعاملين.
ضوابط شرعية وأخلاقية
وشددت دار الإفتاء على ضرورة التزام البائع بالأخلاق الشرعية في معاملاته التجارية، من الصدق والأمانة والسماحة، والبعد عن الجشع والاحتكار، مستشهدة بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «رَحِمَ اللهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى» (رواه البخاري).
كما دعت إلى مراعاة مقصد الشركة من منح تلك الخصومات، فإن كان الهدف منها تيسير حياة العاملين، فيُستحب للعامل ألا يُسرف في شراء السلع بقصد الربح على حساب زملائه، حتى لا يحرم غيره من فرص الاستفادة، تطبيقًا لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» (متفق عليه).
خلصت دار الإفتاء في بيانها إلى أن شراء السلع المخفضة من قبل العاملين في الشركات وبيعها بسعر السوق جائز شرعًا، شريطة أن يتم الشراء بطريقة مشروعة لا تتعارض مع أنظمة الشركة، وأن يلتزم البائع بالقيم الإسلامية في التعامل التجاري، من صدقٍ وسماحةٍ وأمانةٍ، دون احتكار أو استغلال.
وأكدت أن الإسلام أباح التجارة وطلب الرزق، لكنه جعل الأخلاق ركيزة أساسية في المعاملات المالية، فالأصل في البيع والشراء هو التراضي والعدل، لا الغش أو الاستغلال.