تمثل اللوائح التنظيمية إحدى الأدوات الأساسية التي تستخدمها السلطة الإدارية لتنفيذ القوانين وتحقيق الفاعلية في الأداء الحكومي من خلال تنظيم التفاصيل الفنية والإجرائية التي يصعب على المشرع تناولها تفصيلًا في النصوص القانونية ورغم أن هذه اللوائح تصدر عن السلطة التنفيذية فإنها تؤثر بشكل مباشر على حقوق الأفراد وحرياتهم وعلى توازن العلاقة بين السلطات الثلاث وهو ما يطرح تساؤلات جوهرية حول مدى توافقها مع المبادئ الدستورية وخاصة في ظل ما يشهده الواقع الإداري المصري من توسع في اختصاصات السلطة التنفيذية وازدياد اعتمادها على اللوائح التنظيمية بشكل يتجاوز أحيانًا حدود التفويض التشريعي أو يقترب من التشريع ذاته ومن هنا فإن تقييم دستورية هذه اللوائح يكتسب أهمية بالغة لضمان احترام مبدأ المشروعية الدستورية وعدم تجاوز السلطات التنفيذية لحدود اختصاصها وإن الناظر في الدستور المصري يجد أنه ينص بوضوح في المادة 170 على أن يصدر رئيس الجمهورية اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين ويجوز أن يفوض غيره في إصدارها كما تنص المادة 171 على إصدار لوائح الضبط من قبل رئيس الجمهورية والمادة 172 على إصدار اللوائح اللازمة لإنشاء وتنظيم المرافق العامة ولكن هذه النصوص لا تعني منحًا مطلقًا للسلطة التنفيذية في إصدار ما تشاء من اللوائح بل تضع قيودًا واضحة تتطلب أن تكون هذه اللوائح تنفيذًا لقانون قائم وألا تتضمن إنشاء قواعد جديدة لم يرد بها نص تشريعي وألا تتعارض مع أحكام الدستور أو تمس جوهر الحقوق والحريات التي لا يجوز تقييدها إلا بقانون صادر عن السلطة التشريعية ومع ذلك فإن الممارسة العملية تشير إلى توسع بعض الجهات الإدارية في إصدار لوائح تتضمن أحكامًا تكاد توازي النصوص القانونية من حيث الأثر القانوني بل وتمس أحيانًا مراكز قانونية أو تنشئ التزامات أو تفرض عقوبات إدارية دون غطاء تشريعي واضح وهو ما يثير شبهة عدم الدستورية ويستلزم رقابة قضائية صارمة كما أن هناك حالات أصدرت فيها بعض الجهات لوائح تنظيمية دون صدور قانون أصلي تستند إليه وهو ما يخالف قاعدة التسلسل التشريعي ويخل بمبدأ تدرج القواعد القانونية ويضع المواطن أمام التزامات مفروضة بقرارات تنظيمية غير قائمة على أساس قانوني صحيح مما يفتح الباب أمام الطعن عليها وعدم الاعتراف بشرعيتها .
إن تقييم دستورية اللوائح التنظيمية لا يقتصر على الجانب الشكلي المتعلق بجهة الإصدار والاختصاص بل يجب أن يشمل أيضًا فحص مضمونها ومدى التزامها بالقواعد الدستورية وخاصة في ما يتعلق بالفصل بين السلطات وحق الدفاع والمساواة أمام القانون والحق في التقاضي كما أن على المحكمة الدستورية العليا أن تمارس دورًا استبقيا في ضبط حدود الاختصاص اللائحي ومنع التداخل بين القانون واللائحة مع ضرورة تطوير معايير واضحة لفصل التشريع عن التنظيم الإداري بما يضمن وضوح النظام القانوني واستقراره ويمنع تضخم السلطة التنفيذية على حساب السلطتين التشريعية والقضائية ومن ثم فإن الحفاظ على المشروعية الدستورية في ظل التوسع اللائحي يتطلب إعادة تأكيد التوازن بين السلطات وتعزيز الرقابة القضائية وتوعية الجهات الإدارية بحدود اختصاصها التشريعي والتنظيمي بما يحمي المواطن من تغول السلطة ويضمن خضوع الإدارة العامة للدستور والقانون
00
أيام
00
ساعات
00
دقائق
00
ثواني
🎉 افتتاح المتحف الكبير ! 🎉